ثلاث سنوات الآن ولازالت هاربا من ماضٍ أطاح بي منذ الصغر وحطم كل أحلامي ومستقبلي, كل هذه السنون ولازال قلبي حائرا هائما لا أدري لما أتصرف هكذا تجاه أقرب الناس لي, فلم يسمع أبي وأمي صوتي منذ ثلاث سنوات ولا أريد أن أتكلم أو أطمئنهم وأنا مغتربا في باريس لكني لا أدري لما أفعل هذا. حين كنت صغيرا لم أتذكر أني كنت ألعب مع صغائر أقاربي أو أتحدث إليهم بشكل يوحي بأني طفل عادي بل كنت دائما أستصغر ما يفعلون وأراه دائما أصغر مني . كنت دائما أستنكر مايفعله أبي وأمي في نظام تربيتهم لأخوتي ولي ومعاملتهم لبعض دائما كنت أندم أن هذا هو أبي وهذه هي أمي وهذه هي الطريقة الذي يتربى بها أخوتي وهذه هي الطريقة الوحيدة الذي يعامل بها أبي أمي وهذه هي الطريقة التي تعامل بها أمي أبي. كنت أكبر ابنائهم ولكن صوتي دائما مقتول وغير مسموع كثير ما تدخلت لإصلاح ما أفسده الناضجون لكن سرعان ما يعود كل شئ لأساسه . لم ينتبه أحد لي وأنا أتألم من أقل شيئ يحدث أراه كبيرا ولكنه صغير جدا وعادي بالنسبة لهم (حتى ولو بكلمة عابرة). قررت أن أنتقم رحلت دون أن أترك عنوان أو أي شيئ يجدني. الآن لي حياتي الخاصة وحيد لكني سعيد, حين أتضجر من وحدتي أنظر للسماء , أراقب الطيور الحالمة وأتمنى أن أكون طيرا منهم كنت دائما أتمنى أن أكون طيرا ولو ليومٍ واحد حيث لا أجرح أحد بكلمة أو بفعل أو يجرحني أحد كما أن حياتي سوف تصل إلى ما أرغب فيه من إنطلاق وحب وشرعية وروحانية وكل ما يشعر به الطيور . لكني كرهت شخصي كإنسان لن أرغب في التعامل مع بني البشر لهذا قررت الذهاب إلي باريس لا يعرفني أحد ولا أعرف غير كلمات بسيطة تساعدني فقط على المعيشة . حتى تصير الأمور كما ينبغي أن تكون و كما أريد في منزلي وفي بلدي وفي كل شيئ تركته في الماضي. وبعد انتهاء السنة الرابعة قررت أن أعود لكي أرى ثمار ما فعلته كنت متوقع أن أشاهد بيت حزين ولكنه متماسك ومتفاهم ومتراحم ولكن سرعان مادارت بي الأرض وندمت على الرجوع فقبل أن أطرق الباب سمعت ما تعودت عليه أن أسمعه من قبل وأصوات سمعتها كثيرا في الماضي فمن ينقد من ومن يجرح من ومن يقتل من بكلمة ومن يّدمعُ الضرب له ومن يَدمعُ الضرب عليه ومن يقذف من فقررت أن أعود قبل أن يصيب جنوني بالجنان الحاد . في وقت عودتي كاد الظلام يسقطني على سلالم بيتنا الدموية فأمسك بي رجل لايعرفني ؟وتمنى لي السلامة فهو أبي لم يدرك ابنه؟!! فلله الأمر ورحلت إلى ما كنت فيه مرةً أخرى ولكني هذه المرة قررت ألا أعود. وبعد ست سنوات وجدت نفسي في مشفى نفسي بإحدى مدن القاهرة وسألت عن اسمي وعن سبب وجودي هنا لم يجب أحد عليْ وفجأة تسارعت الخطوات والنداءات قد شعرت بالخوف للحظات وبعد برهة حاولت النهوض لكني تعثرت قليلا ثم نهضت , وفي خطوات متسكعة مشيت قليلا حتى سمعت من يقول في تهامس: لقد عاد قاتل أبويه سمعت هذه الجملة وتذكرت أبي وأمي واسمي ولم أستطع تذكر أكثر من هذا وتمنيت ألا اكون هذا القاتل وفجأة دخل علي الطبيب وسألني:كيف حالك يا عصام لقد عدت للحياة بعد ست سنوات من الحادث .قد وقعت تلك الكلمات البسيطة كالسهم في قلبي لن أتخيل أنني قتلت أبي وأمي . لم أستطع الرد وأصبح للعرق التعبير الأوحد على وجهي مما أصاب الطبيب المعالج بالخوف سألني بما أشعر الآن قلت :لا شيئ أنا على ما يرام وطلبت منه أن يحضر لي شرابا لأنني أشعر بظمأ شديد حتى كاد أن يتشقق حلقي بعد ما علمت بأنني قاتل أبويا وعندما عاد الطبيب وجدني أسبح في دماء شرايني فقد قررت لثالث مرة الإبتعاد ولكن هذه المرة الإبتعاد الأبدي عن الحياة كلها ولم يمر خمس دقائق عليْ غير وإني فارقت الحياة كافرا وقاتلا. عندما رأى الطبيب مشهد موتي ووداع روحي ظل يبكي ويقول سيموت أبويه من هول المفاجئتين فقد عاد للحياة بعد ست سنوات من حادثة السيارة ومات في نفس اليوم رحمة الله عليه. نعم انتحرت وكنت أظن بأني قاتل أبي وأمي يا الله قد ظُلِمتْ في حياتي وآخرتي فمن المسئول لا أدري .