كمال الشاذلى.. أجمع عليه الناس واختاره الله

لأن الرجل كان أفضل من يجمع الناس حوله عن طيب خاطر، ولأنه كما كان يعرفه الناس فهو زعيم الأغلبية وعمدة النواب، ولأنه رجل لم يكن على الإطلاق يوما رجلا عاديا، فقد أبت مشيئة الله إلا أن يسترد وديعته الغالية– روح الأخ الحبيب والمناضل الشريف والكبير والرمز الأستاذ كمال الشاذلى– فى يوم مشهود وهو صبيحة عيد الأضحى المبارك.
كان الرجل– وأشهد على ذلك بنفسى- أسطورة بكل المقاييس، صاحب روح كاريزمية تجذب له كل المحيطين به وربما تلك الروح هى التى دفعت به للقيام بمهمة لا يستطيع أن يقوم بها إلا النوادر من الناس، وهى أن تقود الآخرين فتجدهم من ورائك بغير عناء...
تشهد على ذلك قيادته الرائعة، ولسنوات، للعمل البرلمانى وقت أن كان وزيرا لشؤون مجلسى الشعب والشورى وزعيما للأغلبية بمجلس الشعب، وكذا سيطرته التامة على مقعده النيابى بدائرته «الباجور» بمحافظة المنوفية، وهو المقعد الذى منحه لقب أقدم برلمانى فى العالم والذى جلس عليه لمدة 46 عاما متواصلة منذ عام 1964، وأنه لولا قدر الله المحتوم لظل على مقعده لسنوات وسنوات..
لقد كان إصرار الرجل على مواصلة خدمة أهل دائرته- رغم تدهور حالته الصحية فى الآونة الأخيرة- هو الدليل الأكبر على معدنه الأصيل، وسبب حالة الحزن الصادق التى تنتاب الباجور كلها التى خرجت عن بكرة أبيها بالآلاف لمدخل المدينة لاستقبال جثمانه وتشييعه لمثواه الأخير بل نصبت له قاعات العزاء فى منازلها، ولِمَ لا والفقيد فقيد كل أسرة، كما للرجل أيادٍ بيضاء على كل جدار فيها.
أما الدولة ممثلة فى السيد الرئيس محمد حسنى مبارك، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وكذا السيدان رئيسا مجلسى الشعب والشورى، والسيد رئيس الوزراء والوزراء، والسيد رئيس ديوان رئيس الجمهورية– صديق الفقيد ورفيق دربه- وكل القيادات السياسية والحزبية بالحزب الوطنى الديمقراطى وقيادات أحزاب المعارضة وأعضاء المجلسين فقد كانوا مضرب المثل فى الوفاء والإخلاص،
فكانت جنازته الرسمية صبيحة يوم العيد حشدا بشريا رائعا يعبر عن قيمة وحجم ومكانة الرجل الذى، وبكل الصدق، يعد من فئة الكبار العظام الذين خدموا هذا البلد، وناضلوا من أجله ومن أجل استقراره على مدى سنوات وسنوات فى غير ساحات القتال،
ويكفى أن السيد المهندس سامى عمارة، محافظ المنوفية، قرر إلغاء احتفالات المحافظة الرسمية بالعيد هذا العام، حدادا على روح فقيد مصر، وتفاعلا مع حالة الحزن الصادق التى تنتاب كل أهلها على الراحل العزيز، وهنا أتوجه برجاء لسيادته- وأظنه مطلبا شعبيا- وهو أن يخلد ذكرى الفقيد بتمثال له يقام فى مدخل المدينة التى طالما بذل الجهد لرفعة شأنها وإعلاء قدرها.
لقد عانى الرجل صحيا فى الأيام الأخيرة غير أن الله أراد أن يعوضه خيرا بحب نبيل أحاطه فى مرضه وعند وفاته، وتحضرنى هنا زيارة قداسة البابا شنودة له فى مستشفاه أثناء رحلة علاجه الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهى الزيارة التى اتسمت بالمحبة والصداقة وروح الدعابة فخففت كثيرا عن الفقيد آلام مرضه.
أعزائى القراء.. أنعى لكم اليوم أخا حبيبا وصديقا عزيزا ورمزا وطنيا عرفت مصر بكل مستوياتها حجم خسارتها الفادحة برحيله، غير أن عزائى الوحيد هو هذا الفيض من الحب المهيب الذى أحاط بالرجل يوم وداعه، والتقدير والتبجيل الذى منحته له الدولة حيا وميتا.. رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وألهم آله وذويه الصبر والسلوان، وعوّض مصر خيرا عن رجل قل أن يجود الزمان بمثله.
* عضو لجنة العلاقات الخارجية
بالحزب الوطنى الديمقراطى
أمين عام جمعية محبى مصر السلام
www.hanyaziz.net