وصلتنى هذه الرسالة المؤثرة من الدكتورة حفيظة بوخريص. تقول الرسالة: «تستقر بنا أمواج الحياة فى فترة معينة، فنعيش حياة مستقرة أو يُهيأ لنا أنها كذلك. نتصور أننا سنكبر ونعيش مع أزواجنا فترة ونحن عجائز، نلاعب أحفادنا ونسعد بإنجازات أبنائنا. سألنى زوجى ذات مرة ونحن فى جلسة حميمة: (أتتصورين أننا سنكبر يوما ونصبح عجائز؟). قلت: (لم يخطر هذا ببالى). فغيّر شكل وجهه، مقلدا ملامح عجوز فقد أسنانه وقال لى: (أرأيت كيف سأصير. ما رأيك؟). وقال أيضا بصوت عجوز: (أحبك). ضحكنا كثيرا ذلك اليوم. فى تصورنا وشعورنا الدفين، نتصور الموت ينتظرنا فى المحطة الأخيرة بحياتنا، عندما تذهب النضارة ويبيض الشعر وتسقط الأسنان، وكأن الموت والشباب ضدان. لكن الحياة لا تسير دائما فى المسار الذى نحدده لها، قد تفاجئك بصفعة قوية تزلزل كيانك. من أعنف صفعات الحياة: موت رفيق حياتك. مازلت حتى الآن لا أصدق أن خمس سنوات قد مضت بالفعل على مفارقة زوجى الحياة. وكيف أستوعب أن شابا فى الرابعة والثلاثين من عمره، فى أوج نشاطه وقوته وأحلامه يختفى من مسرح الحياة تماما. كنا فى طريق العودة إلى بلدنا المغرب، بعد أربع سنوات من الغربة قضيناها بفرنسا، حزمنا حقائبنا وركبنا سيارتنا وبدأنا رحلة هجرتنا المعاكسة، وهاأنذا يتبين لى أننى سأواصل الهجرة وحدى. سأواصل رحلة الحياة وحدى. عندما رأيته مضرجا فى دمائه، عرفت أن زلزالا قد حدث. رائحة الموت أفعمت حواسى، فكاد قلبى ينخلع من مكانه. لاشك أنه أمر مهول، يذهب بعقل الإنسان ورشده لولا أن الله يرزقنا الصبر ويلهمنا الثبات. كيف سأتحمل - وإلى الأبد - بعاده؟! كيف سأتحمل شوقى إليه.. كيف ستكون من دونه حياتى؟! كنا مازلنا فى الخطوة الأولى. مازال ابنى رضيعا فى الشهر التاسع، فكيف يمكن أن يكون هذا وقتا مناسبا للموت، وقد كان فى ليلة الحادث يحدثنى عن أحلامه؟! آه أيها القدر، لم تمهلنى وقتا للوداع، لم تترك لى أى خيار. غيّرت تماما مجرى حياتى. لم أستطع أن أتخيل نفسى أرملة. كلما سمعت الكلمة تخيلتنى بطلة رواية. وكيف لى أن أستوعب هذا الانقلاب فى حياتى ومازالت خطوات مشيته تدق فى أرجاء قلبى. مازالت ضحكاته تطن فى أذنى، وجسده - الذى أصبح تحت التراب- رائحته عالقة بأنفى! كيف لى أن أتقبل أن حبيبى لم يعد موجودا؟! لا مفر، لقد أصبحت فعلا أرملة وأما لطفلين يتيمين. بعد قليل سوف يعود كل قريب وصديق إلى حياته المعتادة وتبدأ الأرملة الملتاعة رحلتها فى الحياة. رحلة مع الوحدة والعدم والفراغ وعدم الأمان. وكأنك تعريت من ملابسك فجأة وأصبحت عرضة للرياح. لقد تبدل كل شىء. شئت هذا أم أبيت. لقد تغير طعم حياتى. [email protected]