تبدو الأمور فى الظاهر بين شريكى الحكم فى السودان: حزب المؤتمر الوطنى الذى يتزعمه الرئيس السودانى عمر البشير، ونائبه سلفا كير زعيم الحركة الشعبية، تسير نحو طلاق بائن لا رجعة فيه حتى لو توافر «المحلل»، وهو طلاق تبدو مقدماته قائمة منذ شهور، وتظهر فى تصعيد الحركة بسحب مرشحها لانتخابات الرئاسة ياسر عرمان. كثيراً ما كنت أشك فى هذا التربص بين الجانبين، وأرجح أنه «نقار» حبيبين يغطيان على علاقة الود، والمصلحة المشتركة بينهما، بهذا الأداء الشعبوى، للتغطية على اتفاق واضح فيما بينهما بانفراد كل منهما بجزء من السودان يحكمه دون تنغيص من الآخر، ويستفيد بموارده دون نزاعات عرقية ولا طائفية، تطبيقاً لمثل مصرى شائع يقول: «شيل ده من ده.. يرتاح ده عن ده». حاول الفريقان تقديم أداء مبهر، يدفع المتابع له إلى التيقن من إيمان كل منهما بالوحدة، وأن لا مشكلة فى ذلك، حتى الحركة الشعبية حين أعلنت ترشيح أحد قيادييها الشماليين «ياسر عرمان» للرئاسة طرحت ذلك بمفهوم وحدوى، كتأكيد على حرصها على الوحدة، وعندما أعلنت سحبه فى إجراء تصعيدى بالغ، بدت كمن يخشى على نزاهة الانتخابات. وجاء مرشح «حزب الأمة - الإصلاح والتجديد» لانتخابات الرئاسة السودانية مبارك الفاضل، ليكشف تفاصيل ما قال إنه «صفقة» بين شريكى الحكم فى السودان، تقضى بسحب مرشح الحركة الشعبية من انتخابات الرئاسة، مقابل تسهيل انفصال الجنوب، والاتفاق على ترسيم الحدود، 2010. وما قاله الفاضل له أسانيد من الواقع، ويجد دعماً بالمنطق فى الحكم على الأحداث والأشياء، خاصة ما يشاع عن أن الجانبين اتفقا على تقسيم عوائد النفط فى مرحلة ما بعد الانفصال، بما لا يحرم الشمال من كل ما كان يدخل له من نفط الجنوب، وأنهما اتفقا على نسب جديدة غير «التنصيص» الحاصل حالياً، حيث يسمح للشمال بتقاضى رسوم على التكرير والنقل بنسبة أقل من النصف. كلا الجانبين أيضاً يتعامل مع الانفصال باعتباره الاحتمال الأقرب والأكثر واقعية، ويخطط لما بعده، وهى ليست واقعية مثالية، بقدر ما هى «براجماتية» خالصة من الجانبين، اللذين حسما خياراتهما بشكل نفعى، وفضلا المصلحة القريبة والمباشرة على النضال من أجل صناعة سودان موحد وديمقراطى، يناهض التمييز ويرتكن إلى عدالة التنمية. الأرجح أن البشير يفضل دولة «إسلامية» فى شمال السودان يطبق فيها الشريعة الإسلامية دون اعتراض من أحد، بعد أن يتخلص من الجنوب المسيحى والوثنى، ذلك فيما يعتقد أفضل ألف مرة من سودان مدنى وموحد، والأرجح كذلك أن سلفا كير يفضل دولة يحكمها بمفرده فى الجنوب، بدلاً من أن يظل رجلاً «ثانياً» إلى الأبد، يعيش فى محيط من الاختلافات العقائدية والعرقية. وقع السودان بين قوتين، كلتاهما تحمل ولاء للأيديولوجيا، أكثر من الوطن نفسه، ويسعى لانتصار المشروع الخاص حتى لو جاء على حساب المستقبل العام، ويفضل أن يبقى هو، وتموت الخرائط والجغرافيا. إلى الذين ينتظرون العام المقبل، ويترقبون، هل ينفصل الجنوب أم يبقى؟.. من قال لكم إن هذا الانفصال لم يحدث بالفعل...؟! [email protected]