من الأشياء المذهلة والمثيرة للانتباه أن كلاً من رئيس جامعة عين شمس الدكتور ماجد الديب، ووزير التعليم العالى الدكتور هانى هلال، لم يلفت انتباههما خلال أحداث جامعة عين شمس الأخيرة البلطجية المتواجدين بالأسلحة البيضاء داخل ساحة الجامعة، ولم يحرك لديهما أى مشاعر بالغضب أو الاحتجاج أو حتى الاشمئزاز، بل دافع هانى هلال، الوزير المحترم عنهم، بأن حاول إقناع الإعلامى الشهير محمود سعد فى برنامج حكومى بأن هؤلاء بلطجية فى أحداث سابقة فى جامعة عين شمس، وأن الصور قديمة لكن محمود سعد أفحم الوزير بقرائن واضحة فى الفيديو بأن هؤلاء البلطجية تواجدوا أثناء الأحداث وكانوا السبب الأساسى فيها. الأمر واضح أن المسؤول عن التعليم العالى فى مصر، والمسؤول الأول عن التعليم فى جامعة عين شمس، كلاهما يوافق على الأقل ضمنياً على إدخال الأسلحة البيضاء والبلطجية داخل الجامعة وكلاهما يعتقد بأن أكبر كارثة حدثت فى تاريخ الجامعة هى حكم أكبر وأعلى سلطة قضائية فى مجلس الدولة، وأن توزيع هذا الحكم هو قضية خطيرة تستوجب العقاب الشديد لمن قاموا به، الأمر ليس فقط استهانة بأحكام القضاء، واعتبارها منشورات سرية، وإنما أيضاً الاستهانة بأساتذة أجلاء لهم سمعة ومكانة أكاديمية عظيمة تفوق بالتأكيد السمعة الأكاديمية للوزير، وبعض رؤساء الجامعات المصرية بمراحل. الغريب أن رئيس جامعة عين شمس يعتبر نفسه رئيس قلعة عسكرية لا يمكن الدخول إليها إلا بالاقتحام، والمشكلة أنه لم يطلع ولم يقرأ قوانين الجامعات فى مصر وفى العالم كله، ولم يقرأ اتفاقات دولية وقعتها مصر ممثلة فى وزير ينوب عن رئيس الجمهورية، وعليه احترامها، لأن ذلك جزء من احترامه للدولة ورئيسها. كل ذلك يؤكد أن من حق الأساتذة دخول الجامعات الأخرى، وهو ما يحدث منذ عشرات السنين بمئات الحالات كل يوم على مدار العام فى مصر والعالم كله. والغريب أيضاً أن يُصدر سيادة رئيس الجامعة بياناً كل من قرأه يعرف أنه غير مقنع ولا يليق بأستاذ أكاديمى كتابته، وأتصور أن من كتبه سكرتير أو موظف صغير من مكتب رئيس الجامعة. كيف يجرؤ رئيس الجامعة على أن يطلب من جامعة القاهرة التحقيق مع أساتذة أجلاء حاولوا إعلاء سلطة القانون؟ هل يمكن أن يحدث ذلك فى جامعة بتاريخ جامعة القاهرة؟ إن فى هذا إهانة لكل الأكاديميين المصريين وإهانة للجامعة الأم، التى لم ولن ترتكب مثل هذه الحماقات. هل يشعر الوزير ورئيس الجامعة بحجم الصدمة التى حدثت للمجتمع المصرى كله، بل والعربى والعالمى، وحجم إهانة جامعة عين شمس التى تحكمها البلطجة تحت عيون جميع المسؤولين فى الجامعة؟ هل لا يخجلون وهم يرون صور البلطجية وأفلام الفيديو كلها على كل تليفزيونات العالم، وعن كيفية تعامل جامعة عين شمس مع الطلبة باستخدام البلطجية؟ لماذا حاول الوزير أن يضغط على محمود سعد ليتناسى البلطجة الواضحة فى الجامعة ويصور محاولة الاعتداء على الأساتذة بأنها سباب من الأساتذة للطلبة، وعندما أوضح محمود سعد الحقيقة اتهمه الوزير بأنه معارض وطالبه بضروره أن يكون جزءاً من النظام يؤيده بالحق والباطل، ويغمض عينيه تماماً عن أى شىء لا يعجب الوزير. لم يكن هانى هلال كذلك عندما تولى الوزارة، ولكن يبدو أن السلطة أحياناً تورث تضخماً شديداً للذات يؤدى إلى التهلكة. سوف يذهب هانى هلال بعد حين من الوزارة، وسوف يذهب ماجد الديب من الجامعة، ولن يتذكرهما أحد، ولكن سوف يبقى اسم عبدالجليل مصطفى كأستاذ عظيم فى الجامعة ووطنى مصرى كبير يحب بلده ويريد له التقدم، وسوف يبقى اسم محمود سعد كإعلامى كبير يذكره الجميع. لقد صرح هانى هلال للصحفيين عند صدور حكم القضاء الإدارى بأن مجموعة 9 مارس هى كلها «12 واحد» وليس لهم أهمية. الواقع يقول لو كان كلام الوزير صحيحاً لكان كل واحد من هؤلاء ال12 أقوى من هرقل حتى يقودوا أحداثاً يدافعون بها عن الجامعة ويكسبون احترام الرأى العام كله أمام جحافل وزارة التعليم العالى وبعض رؤساء الجامعات وبعض الصحف القومية، ويظهرون وزارة التعليم العالى وإدارة جامعة عين شمس بالمظهر الحقيقى الذى يليق بهم، فإما أن الوزير قد أخطأ فى حساب أعداد مجموعة 9 مارس، أو أن كل أستاذ أو أستاذة منهم يساوى ألف فرد من الذين يستعين بهم هانى هلال ورئيس جامعة عين شمس. لقد نصحتك سابقاً يا د. هانى أن تأخذ بالك من لسانك، لأن المثل يقول «لسانك حصانك إن صنته صانك»، وكان ذلك وقت أن طالبت أستاذة جامعية محترمة كانت تناقشك بأن عليها أن تذهب و تقشر بصل، ويبدو أنك استمعت للنصيحة لفترة من الزمن ولكنك نسيت النصيحة لأن السلطة تخرج الإنسان أحياناً عن وعيه، وأعلم أنك قد تستمر فترة فى الوزارة قد تطول وقد تقصر ولو ركزت العمل فى أشياء جيدة مثل استكمال بث الروح فى البحث والنشر العلمى فى الجامعة وتركت أمور البلطجة والدفاع عن البلطجية لغيرك، لكان موقفك أحسن حالاً من الوضع السيئ الذى وضعت نفسك فيه كمدافع أساسى عن البلطجة فى الجامعة، وكقائد لإيجاد وسيلة لقهر الأساتذة والطلاب. تحية للزملاء الأعزاء من مجموعة 9 مارس، التى لا تبحث عن مجد ولا وظيفة سياسية أو إدارية، وليس لها دور سياسى فى الجامعة، وكل ما تنادى به هو حرية أكاديمية ورفع مستوى التعليم والبحث العلمى واحترام الأساتذة والطلاب وتأكيد أهمية الديمقراطية داخل الجامعة، ولكن هذه الأمور الموجودة فى جامعات العالم، والتى كانت يوماً ما موجودة فى الجامعة المصرية، أصبحت إثماً وجرماً ويجب محاربتها من ممثلى النظام مثل الوزير وبعض رؤساء الجامعات. على أساتذة الجامعة أن يقفوا صفاً واحداً للدفاع عن كرامتهم وعن الحرية الأكاديمية. قوم يا مصرى ... مصر دايماً بتناديك.