من ضمن المتاحف الكثيرة التى تنتشر على أرضنا.. أتمنى أن ينشأ متحف جديد يطلق عليه اسم «متحف الأسف والندم والعض عالنواجذ».. حيث إننا شعب لا يعترف بالاعتذار والاعتراف بالخطأ.. إلا إذا صدر مرسوم سلطوى بكده.. ويكون هذا المتحف متخصصا فى عرض كل ما ارتكبناه من أخطاء فادحة عطلت مسيرتنا لقدام.. عشان نبقى بعد ميت سنة كده عبرة لنفسنا أو للأجيال اللى جاية بعدنا. يعنى مثلا يكون فيه تمثال لأى فرد مصرى عومل معاملة العبيد واستهين بقدراته أو اختراعاته ويمكن تم طرده من وظيفته أو م البلد كلها، ثم بعد أن خرج أصبح له شأن عظيم فى الخارج فى دولة تقدر العلم والبحث العلمى والاختراعات الحديثة.. وتحت التمثال توضع لوحة تشرح سبب وجوده فى هذا المتحف.. أصل الأخ ده كان اتهزأ واتمسح بيه البلاط من مسؤول غبى.. أو صاحب سلطة نظره على قده.. أو مجتمع متخلف يصدر أحكاما عشوائية.. وكان يا سيدى مالا إنت صدر ضده حكم بتفريقه عن مراته.. مثلا يعنى.. أو اتهدر دمه.. فلما راح بره شالوه على كفوف الراحة.. وعاملوه على إنه مواطن له قال إيه حقوق. وده تمثال لرجل أعمال شريف كان يحمل فكرا اقتصاديا متقدما.. خاض ميدانا جديدا وفتح أبواب رزق لآلاف البشر وتصدى لمغامرة استثمارية شديدة الخطورة.. فاديناه على قفاه وسلطنا عليه تعابين الرشوة والإكرامية وطفحناه تمن الشاى اللى يقضى شعب بحاله.. وعندما توجه لأى جهة لقضاء مصلحة، قلّبناه فى اللى نقدر عليه.. يا إما بليناه بجيش من القرايب التنابلة يعينهم على قلبه فى المشروع.. ولما الحلو بانت لبته.. وابتدا ينجح.. انطلقت عليه الجرايد الصفرا.. وبعتتله كام عيل قالوا على نفسهم صحفيين.. وهما مالهمش فى تنقية الرز حتى.. وابتزوه وهددوه انهم مصورينه فى أوضاع مخلة وإن معاهم مكالمات تليفونية متسجلة توديه فى داهية.. وقلّبوه فى إعلانات مهولة لجرنال بيقراه أربعة.. ولما راح ياخد قرض من بنك.. زيه زى جميع رجال الأعمال فى العالم.. عاملناه بصلف غير طبيعى.. وفرضنا عليه فوايد مالهاش مثيل فى أى بلد تانية.. وهددناه إن ما سددش أو تعثر هانسجنه.. مع إن مافيش حد بيتسجن بره عشان تعثر.. ولما تعثر اتسجن وقعد فى السجن ميت سنة.. لا منا رجعنا الفلوس.. ولا سيبناه يشتغل.. وصرفنا عليه أكل وشرب وأدوية فى السجن.. وشردنا العمال اللى كان فاتح بيوتهم.. فالراجل قال لنفسه: هو أنا تاعب قلب نفسى ليه؟!.. ما اللى حاحطه هنا حاحط ربعه هناك.. واللى حاكسبه هنا حاكسب أضعاف أضعافه هناك. وأديه نجح فى الخارج وإحنا لسه قاعدين نلطم على البطالة. وده تمثال لمخرج عبقرى مات م الحسرة من كتر ما شاف.. يعمل الفيلم يتبهدل فى الرقابة.. ويضطر يدخل فى جدال طويل عريض مع ناس ماتوصلش لركبته فى المفهومية.. ومارس معاهم حوار طرشان م اللى يجيب الصرع.. وإن نفدم الرقابة ولجان التظلمات.. يقع فى الأجهزة الرقابية غير المرئية عشان فيلمه يتحشر فى حتة ضلمة.. ومايعرفلوش سكة.. ولا يلاقى حد يكلمه.. وإن نفد من ده وده.. ماينفدش من المتعصبين والمتخلفين واللى مش لاقيين حاجة يزيطوا عليها.. أو من الجمهور اللى مازال غير مؤهل لاستقبال فكر جديد أو مختلف أو جرىء.. أو كان مؤهل واتوكس.. وإن نجا من هذا وذاك ينطس قضية من محامى مالوش شغلانة غير رفع القضايا عشان يطلع فى التليفزيون وماحدش عارف بيصرف عالقضايا دى منين.. ويمكن يشرف فيها فى السجن.. وبجوار التمثال رف كده عليه مجموعة الجوائز اللى حصل عليها من بلاد بره اللى بتقدر الفن والفنانين. ومافيش مانع نعمل تماثيل للجمهور اللى كان بيقدر زمان أفلام زى «الموميا وشروق وغروب والسوق السودة ولاشين والبرىء»، وأصبح مزاجه دلوقتى مايجيش إلا على الأفلام السكة المنيلة بنيلة ومش عايزين نسمى بقى. ودى تماثيل لكل الفنانين التشكيليين.. اللى عاشوا حياتهم فى الضل والنكران.. واللى ماكانش حيلتنا غير إننا نتريق عليهم فى التمثيليات والأفلام.. وعملناها قاعدة, أول ما الواحد يموت فيهم نقوم مخلدينه على طول ونكتشف أعماله الفنية العظيمة.. ونحطها فى متاحف.. وتتسرق.. كأننا كنا عاملين عقد معاه.. عايز تتعرف وتتشهر؟.. موت إنت بس ولا يهمك.. دول بقى حايثروا المتحف جدا.. لأن كل واحد فيهم حانحط تمثاله وجنبه أعماله. وممكن التماثيل ماتكونش لأشخاص.. ممكن تكون لكتب.. صودرت ومنعت من باب الغتاتة والحجر على القراء وسحبهم من إيديهم زى العيال.. وفرض الوصاية عليهم يقروا إيه ومايقروش إيه.. وأيضا تماثيل لأفلام.. ونكتب تحتها عبارة ثابتة.. هذا الفيلم كان قد منع من الرقابة.. إذن هو فيلم عظيم.. لأن تسعين فى المائة من الأفلام التى نفخر بيها فى ظل صناعة السينما وعلى مدى المائة وسبع سنين.. كلها الرقابة عملت عليها أزعرينة. وتمثال لكل مدرس حافظ على شرف مهنته وفِضل محافظ على جملة كاد المعلم أن يكون رسولا.. لحد ما مات م الجوع. يا نهار أزرق.. ده المتحف كده هايبقى أضخم متحف فى الكون. وفى المقابل بقى.. لازم نعمل متحف ونسميه «متحف الضرب بالبراطيش».. وده المفروض يضم كل واحد تسبب فى خسارة هذا البلد.. كل واحد وكسها وجابها وخلاها للخلف در.. كل صاحب فكر رجعنا لورا ميت سنة.. كل صاحب قرار خايب خسرنا أرض كنا كسبناها على جميع الأصعدة. الله.. ده حايبقى متحف لوز ده.. وبرضه هاينتفخ بالتماثيل. والله برضه عمار يا مصر.. فى كل حاجة ولادة. [email protected]