قبل أزمة زهرة الخشاش ببضعة أيام، كان وزير الثقافة يفتتح فعاليات محكي القلعة بمصاحبة جميع قيادات الوزارة، وبينهم محسن شعلان، طاف موكب الوزير كل أرجاء القلعة وحط ركابه بمقر اتحاد الكتاب في لقاء مفتوح مع الكتاب والمثقفين بدأه بسرد قائمة انجازات الوزارة بلغة الأرقام معدداً مئات المكاتب والمتاحف وغيرها. ثم طلب الكلمة أحد الكتاب ليسأل الوزير "كيف يكون عندنا متحف لأم كلثوم ومتحف لمحمد عبد الوهاب.. ولا يكون لدينا متحف لسيد درويش؟" الوزير ابتسم ابتسامة عريضة، ورد قائلاً: "صحيح ليس لدينا متحف لسيد درويش، لكن لدينا مسرح سيد درويش في الإسكندرية وفي مدخله يوجد تمثال جميل له، كما أننا فكرنا في عمل متحف لسيد درويش لكن لم نجد ملابس أو شيئاً من أثره." الحوار السابق يمتلئ بالكثير من الدلالات، ففي الوعي الشعبي والرسمي أصبح المتحف مظهراً من مظاهر الوجاهة والتكريم، وإذا تعذر إقامة المتحف بسبب عدم وجود ملابس أو مواد ملموسة للشخص المراد تكريمه، فيمكن أن نصنع له تمثالاً أو نضع اسمه علي مسرح أو قصر الثقافة. تنقسم المتاحف المصرية إلي نوعين أساسيين، المتاحف الأثرية المختصة بالحفاظ وعرض التراث الحضاري التاريخ المصري العريض، والمتاحف الفنية. يخضع النوع الأول لأعلي درجات الرعاية، فهو واجهة مصر ومحط الزيارات المنتظمة من السياح والأجانب ورحلات المدارس والجامعات. أما المتاحف الفنية فمثلما كشفت واقعة سرقة لوحة زهرة الخشخاش تقبع في دوامة من الإهمال وصلت بها إلي أن تكون في درجة تجعل من غير المناسب وصفها حتي بالمخازن، فعلي الأقل تخضع المخازن للحراسة والتأمين، بينما المتاحف الفنية أصبح ينطبق عليها المثل الشعبي "بوابة من غير بواب". الهدف الأول للمتاحف الفنية هو الإلهام، الأصل في الكلمة لاتيني. كان أرسطو وأفلاطون مثلما يوضح عادل السيوي يدعوان الفنانين إلي التبرع بأعمالهم من أجل أن تظل موجودة كحافز لإلهام الفنانين، وفي مصر ظهر الأمر مع رفاعة الطهطاوي حينما ذهب إلي فرنسا ووجد أنه يتم معاملة مثل هذا الكنوز الأثرية والفنية بتبجيل شديد، لذلك فحينما عاد طلب من محمد علي أن يحضر أي أثر قديم يتم العثور عليه إليه حيث وضع ما استلمه في "حوش مدرسة الألسن" وهو يعتبر أول متحف حديث في مصر في رأي السيوي، لكنه كان متحفاً تاريخياً أما المتاحف الفنية فهي أمر جديد نسبياً علي الثقافة المصرية لم يبدأ إلا مع النصف الثاني من القرن العشرين. والآن في 2010 ورغم تعدد المتاحف الفنية ما بين تلك التي تحمل عناوين عامة مثل متحف الفن الحديث، أو تلك المخصصة لفنانين كمتحف محمد ناجي، إلا أن عادل السيوي يري أننا نعاني من نقص فادح في المتاحف الفنية في مصر، وحتي تلك الموجودة لا يحكمها منهج إدارة فنية وثقافية محدد. ويعتقد السيوي _وإن كان يتمني أن يكون مخطئاً- أن أياً من المتاحف الفنية المصرية الموجودة الآن لا تنطبق عليها شروط اليونسكو للاعتراف بها كمتاحف دولية. فعلي سبيل المثال يستغرب السيوي عدم وجود متحف للفن المعاصر في مصر، ونعني بالفن المعاصر الفن الذي تم إنتاجه في الثلاثين سنة الأخيرة، أما متحف الفن الحديث فهو ببساطة كما يؤكد السيوي ليس متحفاً للفن الحديث. يحكي السيوي حكاية متحف الفن الحديث التي تمتلئ هي الأخري بالكثير من الدلالات، فقد كان مقره في أرض دار الأوبرا مخصصاً في الستينيات للمعرض الصناعي الزراعي، وحينما تم نقل المعرض الصناعي الزراعي إلي أرض المعارض بمدينة نصر، احتاروا في القاعة فقرروا تحويلها إلي متحف للفن الحديث في حين لا ينطبق عليها أي شرط من شروط العرض المتحفي. فالعمارة الداخلية للمكان تحتوي علي الكثير من الفراغات والارتفاعات الشاهقة في غياب للجدران، وكأن اللوحات من المفترض أن يتم تعليقها في الهواء. وينطبق الأمر علي معظم المتاحف الفنية في مصر فهي غير مجهزة معمارياً للعرض المتحفي، ونحن في مصر كما يؤكد السيوي لدينا تخلف كامل في عمارة المتاحف. المشكلة الثانية تخص نوعية المعروضات، فسياسة الاقتناء المصرية التي اتبعتها وزارة الثقافة المصرية طوال تاريخها شابها الكثير من الأخطاء وهي سياسة غير موجهة، وحتي حينما قرروا إنشاء متحف الفن الحديث كانت معظم اللوحات معروضة في مقرات بعض الهيئات والمباني الحكومية، والنتيجة أن متحف الفن الحديث يخلو من الأعمال الفنية الرائدة والأساسية في مسيرة الفن المصري. فالأعمال المعروضة مثلاً لعبد الهادي الجزار لا تعبر عن مشروع الجزار الفني، وحينما نزور المتحف لن نجد لوحاته الهامة كلوحة فرح زليخة أو المجنون الأخضر، بالرغم من أن الأخيرة كانت معروضة للبيع واشتراها ساويرس، لكن الدولة لم تفكر في شرائها. ونفس الأمر ينطبق علي بقية لوحات الرواد الموجودة في المتحف بداية من محمود سعيد وحتي إنجي أفلاطون أو حسن سليمان. إلي جانب المشاكل المعمارية وضعف المقتنيات في متاحفنا الفنية تعاني معظم المتاحف من غياب كامل للكوادر المدربة أو وجود الإدارات التي تساعد علي تنشيط المتحف وتحويله لبقعة جذب للزوار من كل