مصر بلد فريد تخفي أرضه كنوزا لا يوجد لها مثيل في أي أرض أخري, سواء تحدثنا عن كم هذه الكنوز وقدمها أو أصالتها وقيمتها التاريخية والفنية, وبعيدا عن الآثار الفرعونية التي صارت بحكم التقادم الزمني والطابع الخاص رمزا لمصر والمصريين علي امتداد تاريخهم.. فإن الآثار الإسلامية الموجودة بمصر من مساجد وقلاع وقصور ومنازل وخنقاوات ووكالات وخانات وخلاو وأسبلة وتكايا, إضافة إلي الآثار المنقولة بالمتاحف, كنوز لا مثيل لها في أي بلد إسلامي أو غير إسلامي في العالم كله. ولقد أصبحت مصر منذ الفتح الإسلامي في641 م هي مركز وقلب العالم الإسلامي; جذبت إليها كل فنونه المختلفة من شتي بقاعه.. من العراق وإيران وأفغانستان شرقا, والمغرب وبلاد الأندلس غربا, والأناضول شمالا والحبشة جنوبا, ولا غني لأي دارس للحضارة والفنون الإسلامية من أن يأتي إلي مصر أولا.. حيث التاريخ المتسلسل للفنون الإسلامية بطرزها المختلفة. ولنا أن نفخر بأن مصر هي أول بلد في العالم الإسلامي يتخذ الوسائل والخطوات الفعالة لحفظ الكنوز الإسلامية.. حيث صدر في18 من ديسمبر سنة1881 م الأمر الخديوي العالي بتشكيل لجنة حفظ الآثار العربية, التي تشكلت برئاسة محمد زكي باشا ناظر الأوقاف والمعارف العمومية. أما عن أعضاء اللجنة فكانوا هامات ثقافية عالية نذكر منهم: شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي باشا وزير الحربية, ومصطفي فهمي باشا وزير الخارجية, إضافة إلي مهندسين في الآثار والترميم من فرنسا والنمسا ممن كانوا يعملون في نظارة المعارف ونظارة الأوقاف.. وكانت مهمة اللجنة هي القيام بأول حصر شامل للآثار العربية القديمة وحفظها وصيانتها من التلف ونقل القطع الأثرية إلي ما يعرف ب دار الآثار العربية وكان أول مقر لها هو الرواق الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله.. وبعدما امتلأ عن آخره بدأ استغلال صحن الجامع الذي تحول إلي أول متحف للآثار الإسلامية في العالم كله حتي سنة1899 م عندما وضعت أساسات مبني المتحف الإسلامي العالي في منطقة باب الخلق علي الضفة الغربية للخليج المصري الذي تم ردمه في السنة نفسها.. وقد صمم المبني المهندس المعماري الإيطالي ألفونسو مانيسكالو, وجعله من طابقين علي الطراز المملوكي. وافتتح المتحف في عام1903 م, وقد خصص الخديوي عباس حلمي الثاني الطابق الثاني من المبني ليكون مقرا لدار الكتب الخديوية التي تحول اسمها بعد ذلك إلي دار الكتب المصرية.. أما الطابق الأرضي فخصص كمتحف ومقر لدار الآثار العربية, بعد أن تم نقل المقتنيات الفنية من جامع الحاكم بأمر الله, الذي تحول بعد إخلائه إلي مدرسة ابتدائية. ولقد ظلت أعمال التطوير سواء في أسلوب العرض أو الحفظ والتسجيل مستمرة بالمتحف الإسلامي وبالاستعانة بكل الخبرات العالمية لإدارة دار الآثار العربية بباب الخلق, التي تحولت بعد ذلك إلي متحف الفن الإسلامي.. وظلت الكنوز الفنية الإسلامية ترد إلي المتحف سواء عن طريق الإهداء أو نتاج الحفائر في مناطق الفسطاط والقاهرة التاريخية. المهم أن أعمال التطوير الشاملة لمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة قد بدأت في سنة2003 م, عندما بدأت عمارة المتحف في التأثر بشدة.. وقصة تطوير المتحف الإسلامي هي ملحمة يقف وراءها رجال مخلصون استطاعوا أن يعملوا بروح الفريق الواحد وأن يتعاون الجميع كل في تخصصه وكل يساعد بعضه البعض بكل حب ومودة سواء مصريين أو أجانب.. وكنت أسعد الناس وأنا أري شباب المرممين والأمناء والمهندسين يعملون بتفان لتجديد شباب المتحف وافتتاحه مرة أخري للزيارة بعد معاناة طويلة من الشيخوخة خاصة أن عمره قد تجاوز الأعوام المائة. والمبني كما ذكرنا يحتوي علي دار الكتب والمتحف ويشترك الاثنان في بدروم واحد, وكان قرار إغلاق المتحف يسبب مشكلات في عمارة المبني نفسه إضافة إلي وجود آلاف القطع الأثرية المعروضة دون إضاءة مناسبة أو طرق عرض حديثة.. وتم تكليف الأمن القومي للقيام بأعمال التأمين والتطوير, وبدأ المهندس الاستشاري المسئول في ذلك الوقت وهو الدكتور سيد الكومي في دراسة وضع المبني ووجد معنا ضرورة إشراك أحد مصممي المتاحف العالمية في أعمال التطوير نظرا لأهمية المتحف الذي يضم قطعا أثرية نادرة لا مثيل لها في أي بلد آخر, وتم الاتفاق علي أن يتم تقليص عدد القطع المعروضة لكي تحصل كل قطعة علي مساحة كافية لإبراز جمالياتها وأهميتها بدلا من تكديس هذه الكنوز وإفقادها أهميتها, وبعض القطع التي لن تعرض في المتحف وهي بالطبع ليست القطع الرئيسية في المتحف الإسلامي فإنه يمكن عرضها في متاحف أخري مثل المتحف القومي بالإسكندرية, ومتحف رشيد, ومتحف الحضارة, ومتحف العريش والسويس, لكي نري آثارنا الإسلامية معروضة في كل متاحف مصر. وقد وجدنا أنه من الصعوبة قانونا أن نتعاقد مع مصمم أجنبي للمتحف; ولذلك فقد اتفقت مع صديقي لويس مونريال الأمين العام لمؤسسة الأغاخان علي أن تتحمل المؤسسة تكاليف الخبير الأجنبي المتخصص في عملية العرض المتحفي, وفعلا اخترنا مصمما فرنسيا يدعي أدريان جاردير واتفقنا مع القسم الإسلامي بمتحف اللوفر علي الاشتراك معنا في وضع سيناريو العرض وبدأت ملحمة التطوير.. وهنا أقول إنني منذ عملي كأمين عام للمجلس الأعلي للآثار منذ ثماني سنوات, لم يحدث أن واجهنا في أي مشروع مشكلة أكثر من تلك التي واجهناها مع متحف الفن الإسلامي, وكان لابد من الصبر والدراسة والابتكار في المواجهة والعلاج. وبسبب وجود مشكلات في كل أجزاء المتحف بدأت حرب الشائعات من المغرضين والفاشلين.. وكنت أسمع أحاديث عن أن بدروم المتحف سقط,, ولم ننسق وراء غربان الظلام( مع الاعتذار لوحيد حامد) وظللنا نعمل حتي تحول حلمنا إلي حقيقة ندعو كل الناس لرؤيتها علي الطبيعة. قمنا بتعيين الأثرية إيمان عبدالفتاح, واللواء نادر محمد لمتابعة كل الأعمال وعمل لقاءات شهرية مع كل المسئولين عن تطوير المتحف.. ولضمان معرفة حالة المتحف الإنشائية اتفقنا مع الدكتور علي عبدالرحمن أهم وأعظم أساتذة علم ميكانيكا التربة بمعاينة المتحف وعمل الدراسات المطلوبة حتي أعلن في أحد الاجتماعات أن مبني المتحف في حالة جيدة جدا. وبدأنا في ترميم2500 قطعة التي اختبرت في العرض المتحفي.. ووجدنا نافورة جميلة رائعة قام المرمم الإسباني إدواردو بفكها ونقلها إلي القلعة واستمر لمدة عام كامل في ترميمها, وبعد ذلك نقلت إلي المتحف, وقام المصمم الفرنسي باختيار لون أبيض للمتحف, وبعد أن انتهي دهان المتحف بالكامل جاء الفنان فاروق حسني لزيارة المتحف ضمن جولاته التفقدية الكثيرة بالمتحف ووجدت فاروق حسني يشير إلي أن القطع الأثرية الجميلة غير ظاهرة مع اللون الأبيض, وأنه يقترح اللون الرمادي الغامق, ولذلك اجتمعت مع كل العاملين في التطوير وبدأنا تنفيذ اللون الجديد.. علي الرغم من دموع إيمان عبدالفتاح! وخلال أعمال التطوير بدأت أرسل العديد من المتخصصين لزيارة المتحف وصفق الكل لفاروق حسني ولون المتحف الجديد.. وطبعا اعتذر المصمم الفرنسي عن عدم استكمال العمل, وكلفنا الدكتور محمود مبروك الذي غير في السيناريو ووضع العديد من القطع الأثرية الحديثة وأضاف اللوحات المصاحبة للعرض.. وفي النهاية تفضل السيد الرئيس محمد حسني مبارك والسيدة الفاضلة سوزان مبارك بافتتاح أهم وأجمل متحف إسلامي في العالم.. فمبروك علينا كلنا.