مثل البشر قطعاً.. يمرض الرئيس ويحتاج للراحة، يتناول دواءً، ويجرى جراحات، مثل البشر تتعطل فى جسده أجهزة، وتنهك أخرى، ويحتاج لاستئصال بعضها وتدعيم بعضها، ومنح البعض الآخر قليلاً من الراحة. مثل البشر يشعر الرئيس بالألم، أحياناً يقاومه بعناد مصرى ويتجاوز عنه، وأحياناً يستبد الألم بجسده فلا يجد أمامه حلاً سوى الاستسلام لمشرط الجراح. غادر الرئيس مقره فى القاهرة إلى ألمانيا منذ أسبوعين، استقر فى غرفة بمستشفى «هايدلبرج»، نصحه الأطباء بالابتعاد عن التوتر والتركيز العصبى والذهنى الذى كان يقضى فيه يومه كله فى إدارة شؤون الدولة. من غرفة العمليات إلى غرفته، لا أوراق رسمية، ولا أحاديث متتالية عن عملية السلام المتعثرة، ولا أزمات الخبز والسولار والبوتجاز والعلاج على نفقة الدولة، من حق الرئيس أن يستريح، وأن يحصل على إجازة سلبية للنقاهة لا يمارس فيها عملاً مثل أى موظف يحصل على إجازة مرضية أو سنوية. كانت صحة الرئيس تتعافى ويستعد للعودة إلى وطنه بسلامة الله، وكانت البلاد تحصل على درس مستفاد جديد من أزمته الطارئة، عاشت البلاد أسبوعين، وربما تزيد بضعة أسابيع أخرى، بالتفويض، لم تحدث أزمة كبيرة حتى الآن، لم يتعرقل عمل، ولم يتعطل مشروع من مشروعات العمل الوطنى. الحياة إذن من السهل جداً أن تستمر، دون أن يفعل الرئيس كل شىء، ودون أن يتابع بنفسه كل كبيرة وصغيرة، وأن يقرأ كل ورقة، وأن يعطى توجيهاته فى كل اتجاه، تلك الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية ها هى التجربة تثبت أن التخفف منها لن يضير الوطن شيئاً، وفى الوقت نفسه سيريح كاهل الرئيس من أعباء لا تستحق لتسييرها التدخل الرئاسى. هل تعلم أن عدد مواد الدستور التى تنص على سلطات 55 مادة،اختُص رئيس الجمهورية وحده ب 35 منها، بما يساوى 63% من جميع السلطات والصلاحيات الواردة فى الدستور، وفى الوقت الذى يحضر فيه الرئيس بقوة فى عمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، يمكن أن تضيف صلاحيات هذه السلطات بشكل غير مباشر للرئيس، ليصبح بحكم الممارسة مسيطراً على كل السلطات والصلاحيات. الرئيس يعتلى السلطة التنفيذية، ويضع السياسة العامة للدولة، ويشرف على تنفيذها، ويعين رئيس الوزراء والوزراء، تمنحه المادة 146 من الدستور سلطة إصدار القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة، يرأس المجلس الأعلى للشرطة، والمجلس الأعلى للهيئات القضائية، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويرأس الحزب الحاكم، يختار مرشحى الحزب فى البرلمان، وتعرض عليه قوائم المرشحين فى المجالس المحلية، يعقد اجتماعات لحل أزمة الخبز، ويرأس اجتماعات لحل أزمة القمامة، يصدر قرارات لعلاج الفقراء، فى يده حل مجلس الشعب، وعزل الحكومة، وقرار تعديل الدستور، وسلطة العفو عن السجناء، يفتتح الكبارى والمحاور المرورية، يتدخل فى التشريعات قبل إقرارها، فيلغى مواد، ويضيف مواد، يدير بنفسه كل البرامج، ويشرف على كل الخطط. ليس شرطاً إذن أن يفعل الرئيس بنفسه كل شىء، ومن الأفضل أن يتخفف من هذه الصلاحيات المطلقة فى كل اتجاه.. هذا أحد دروس الأزمة الصحية.. فمن حق الرئيس أن يستريح، ومن حقنا ألا ترتبط كل مصائرنا بمقعد الرئيس..! [email protected]