يقولها ويصر عليها منذ سنوات طويلة.. طول الملل الذى نعيشه بفعل سنوات الحكم المملة.. سمعتها منه مئات المرات: الحل ليس فى الجسد وإنما فى الرأس.. إذا كنا نريد حياة وحراكًا لهذا الجسد المتجمد اليائس المحبط الفاسد المتردى، فإن الحل فى تعديل المادة 77 من الدستور.. ليس هناك بدائل أخرى.. إن كانوا يريدون برنامجا للتغيير، فأمامهم البرنامج من بند واحد.. المادة 77. رئيس الجمهورية أيا كان شخصه يجب ألا يحكم لأكثر من مدتين لا تتجاوز كل منهما السنوات الخمس.. هذا برنامج وهدف مقترح لجميع الأحزاب والقوى السياسية الشرعية وغير الشرعية والنقابات والهيئات ومنظمات المجتمع المدنى والشخصيات العامة.. هذا بند لا أعتقد أن كثيرين يختلفون عليه، يكفل التغيير والإصلاح من الرأس.. وهو البداية الحقيقية والواقعية والمنطقية فى مصر.. بلد الحاكم الفرعون الإله.. ويمنح فرصا متساوية للجميع للتقدم والترشح وتولى الحكم. صديقى يؤكد ويصر على أن هذه هى البداية، ثم يتلوها التعليم الذى سيصلح ما أفسده الحاكم الإله، ثم نبدأ البناء من جديد على أساس سليم.. ولكن المادة 77 أولا.. ذلك لأن الحاكم عندنا يبدأ بشرا مثل كل البشر يصيب ويخطئ، ويمرض ويخجل، وتبدو للناس بعض عيوبه فلا يسقط لأنه فى النهاية بشر.. ثم تتعاقب السنوات، سنة وراء أخرى، يتملقه وينافقه وينفخ فيه خلالها المنتفعون من حوله، فيتحول إلى إله لا يخطئ ولا يمرض، تأتيه الحكمة من كل جانب.. وتختفى كل عيوبه بل ينقلب بعضها عبقرية فذة.. هذه قضية تبدو حتمية: يبدأ الفساد من الرؤوس ثم يتداعى إلى سائر المواطنين.. يؤلهون الحاكم ويسود بينهم الخضوع والخنوع، يتملك منهم القهر ويهانون فلا يغضبون.. يرتشون ويرشون.. يقبلون بالتزوير فى إرادتهم ورغبتهم وفى كل مناحى حياتهم.. يمارسون العنف الدموى ضد أنفسهم، لا يمانعون فى أن يكونوا لعبة فى أيدى الحكام.. وتفسد أخلاقهم وأذواقهم.. فلا يشعرون بفارق بين القبح والجمال.. بين العمل والكسل.. بين الحرية والأسر.. والبداية دائما من الرؤوس. تخيلوا معى لو تم التعديل وأصبحت مدتين فقط.. هل سيكون الوضع مثلما هو عليه الآن؟ هل كان من الممكن أن نصل إلى الحال التى أصبح معها كل مكان فى مصر عزبة تدار بمعرفة رؤسائها وبمعزل عن العزب الأخرى.. وأحيانا كثيرة تتنافس وتتصارع ويضرب بعضها البعض الآخر وكأن كلا منها ينتمى إلى أطراف متحاربة؟! فكروا لمن سيكون الولاء: لشخص الحاكم الذى يزول أم لمؤسسة الحكم الباقية فوق الجميع؟ فى الدول الديمقراطية، لديهم دائما الأمل.. بعد 10 سنوات أو 12 سنة.. الأمل موجود، لأن التغيير سيحدث فى موعد محدد يعلمه الجميع.. وتصوروا لو كان دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية يتيح البقاء لأكثر من مدتين.. واستمر بوش رئيسا لمدة ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة..أى خراب كان سيعم؟! وفى مصر، تذكروا كيف كنا عندما تولى الرئيس مبارك.. ثم كيف أصبحنا خلال السنوات العشر اللاحقة؟ أفضل بالتأكيد من الآن.. ثم كيف أصبحنا الآن؟! الأمر لا يتعلق فقط فى رأيى بالفساد والبطالة والتزوير وكل الأوضاع السيئة التى نعيشها.. ولكن بما فاتنا وما لم نفعله، وما لم ندركه، وما لم نصل إليه.. وكل وقت يضيع الآن يبعدنا عن الهدف سنوات. [email protected]