تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    السفير محمد إدريس: العلاقات مع إفريقيا استراتيجية ويجب تفعيلها    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    د.حماد عبدالله يكتب: دور الدولة المتعدد فى الإقتصاد الحر !!    مصر تدين تصريحات نتنياهو بشأن "إسرائيل الكبرى" وتطالب بتوضيحات رسمية    قوة عربية مشتركة.. من يتولى مسؤولية "الكابوس الأمني" في غزة بعد الحرب؟    نتنياهو: لدينا القدرات الكافية لمحو غزة من على الخريطة    رغم نفي عواصمها.. إسرائيل تكشف 5 دول تفكر في استقبال سكان غزة    ريمونتادا ال+90 تكررت في ركلات الترجيح.. باريس يتوج بالسوبر الأوروبي أمام توتنهام    أسامة نبيه: حققنا مكاسب عديدة من ودية المغرب.. وارتفاع نسبة الانسجام والعامل البدني    "معادلا جوارديولا".. إنريكي يسجل رقما تاريخيا بعد التتويج بالسوبر الأوروبي مع باريس    دامت 5 سنوات.. قصة حب جورجينا الأولى قبل ارتباطها برونالدو    محمد معروف حكما لمباراة الأهلي وفاركو    الرياضية: بسبب أمم إفريقيا.. أهلي جدة يسعى لضم حارس سعودي    العثور على جثة شخص مجهول الهوية مخبأ داخل جوال بقنا    ربة منزل تُنهي حياتها بتناول مادة سامة بقنا    إصابة أسرة بتصادم سيارة أثناء سيرهم بالفشن ببني سويف    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    صبا مبارك تنشر جلسة تصوير من كواليس "220 يوم".. ونجوم الفن يعلقون    ياسين السقا يكشف تفاصيل مكالمة محمد صلاح: "كنت فاكر حد بيهزر"    هل دخلت مصر خط الفقر المائي؟، وزير الخارجية يكشف مفاجأة    الخارجية الفلسطينية: نوايا نتنياهو معروفة منذ عقود وتتماشى مع السردية التوراتية    متحدث الحكومة: لجان حصر مناطق "الإيجار القديم" تُنهي مهامها خلال 3 أشهر    غلق جزئي لطريق كورنيش البحر بالإسكندرية لمدة 12 يوما    الأمن يكشف ملابسات مقتل شخصين في جريمة ثأر بالبحيرة    تفاصيل "خناقة بالمولوتوف" على مركب بمنشأة القناطر    السيطرة على حريق مخزن أقمشة في القاهرة دون إصابات    إعدام 42 طنا من مصنعات اللحوم الفاسدة داخل مصنع بدون ترخيص بكرداسة    محافظ الإسكندرية يتفقد أعمال توسعة طريق أبو قير صور    كمال درويش: لست أفضل رئيس للزمالك    رياضة ½ الليل| إنجاز فرعوني جديد.. مصر تحصد الذهب.. مكافأة استثائية.. استلام المسار السريع.. وباريس سوبر أوروبا    حدث بالفن | أزمة نجمة واحالتها للتحقيق ووفاة أديب وفنانة تطلب الدعاء    أخبار الفن اليوم: وفاة صنع الله إبراهيم.. إحالة بدرية طلبة للتحقيق.. الحجز على حسابات روتانا لصالح شيرين.. وتعرض ليلي علوي لحادث سير    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    وجهان مختلفان ل علا رشدي في "بنج كلي" و"العند"    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    بشرى سارة.. دعم مشروعات المرأة والشباب في مطروح بتمويلات ميسرة    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    محافظ المنيا ورئيس الجامعة يفتتحان وحدة العلاج الإشعاعي الجديدة بمستشفى الأورام    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    السلطة الفلسطينية تعرب عن استعدادها لحكم قطاع غزة    وصية محمد منير    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    قناديل البحر تعطل أحد أكبر المفاعلات النووية في فرنسا    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    فضيحة اسمها الانتخابات    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الثانى
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 10 - 2010

أوكازيون: الهيئة تشترى البدلة الشتوى ب119 جنيهاً و79 قرشاً.. وتباع فى السر ب 37 جنيهاً.. والبدلة الصيفى ب 115 جنيهاً و50 قرشاً وتباع ب 35 جنيهاً
ظل السؤال يلح على رأسى دون توقف: إذا كان العاملون بالهيئة لا يرتدون تلك الملابس فأين تذهب إذن؟ هل يحتفظون بها على سبيل الذكرى الخالدة؟ أم يتبرعون بها للجمعيات الخيرية للتكفير عن ذنوبهم واكتساب المزيد من الحسنات؟ الإجابة وجدتها عند عم زكى فى أحد المنازل القديمة بحارة من حارات حى السبتية وعلى مقربة من كورنيش النيل خلف فندق «الكونراد» ذى السبع نجمات، ومبنى مركز التجارة العالمى. كانت معلوماتى تقودنى للذهاب إليه فهو وكما عرفت أحد جامعى تلك الملابس، ولكن بأى صفة أذهب؟ تلك هى الحلقة الثانية فى هذا الملف.
قادتنى الصدفة لأحد الوسطاء الذين يتعامل معهم عم زكى لبيع ما لديه من ملابس الهيئة بعد وصولها له، وقدمت له نفسى على أننى موظفة مشتريات فى إحدى شركات البترول وأسعى لشراء ملابس للسعاة والسائقين والأمن بها بسعر معقول «يطلع لى من وراه حسنة». حدد لى الرجل موعدا للذهاب لعم زكى فى بيته وهو يعد نفسه بسمسرة معتبرة نظراً للكمية التى أبلغته أننى بصدد شرائها. لم أستطع أن أصحب معى مصوراً حتى لا ينكشف أمرنا، وفى السبتية ومن حارة لحارة وصلنا لمنزل عم زكى، منزل قديم كمنازل حارات مصر، سلم ضيق ومظلم لا ينيره سوى طاقة نور من قمته التى يعلوها سطح بدون سقف، شقة عم زكى فى الطابق الثالث وصلنا فوجدنا امرأة ترتدى طرحة على رأسها تجلس مع طفلة صغيرة على السلم أمام الشقة، سلم عليها الوسيط وعرفت أنها ابنة عم زكى، دفعت باب الشقة بيديها لنجد عم زكى يجلس على أحد مقاعد أنتريه قديم وفى يده المصحف الشريف يقرأ فيه، وأمامه 3 جوالات بيضاء اللون تمتلئ عن آخرها بالملابس. أى مشهد ساخر هذا يعجز عقل أى كاتب عن الوصول إليه، قمة التناقض فى لقطة واحدة. كدت أن أضحك ولكن كان خوفى من انكشاف أمرى أقوى من رغبتى فى الضحك، فجلست بجوار عم زكى بعد السلام عليه وفتحت التسجيل الموجود فى هاتفى الجوال، فإن كنت قد عجزت عن التصوير فليسعفنى الهاتف فى تسجيل تفاصيل ذلك اللقاء المثير. بدأ عم زكى الحديث بالترحيب بنا وعرفنى الوسيط له فدخلت فى الحوار مباشرة، ولكن فاجأنى عم زكى بالقول إنه لابد من تقديم واجب الضيافة لنا أولا معتذرا عن مشاركتنا شرب أى شىء لأنه صائم! يا الله أصائم أيضا يا عم زكى؟ ما شاء الله أى تناقض جديد تضيفه للصورة؟
تدرك وأنت تجلس مع عم زكى كيف يمكن أن تكون فاسداً أو لصاً سارقاً، ولكنك لا تؤمن أن ما تفعله سرقة أو يندرج تحت فساد، فهو يصلى ويصوم ويتصدق على من حوله ويكرم من دخل بيته، ويسمى ما يفعله مساعدة للغير ولنفسه على عبور محطات الحياة. شكرت عم زكى على كرم ضيافته متعللة بضيق الوقت وضرورة العودة لشركة البترول مرة أخرى، وأخرجت من حقيبتى ورقة بها الكمية التى أريدها وتنطبق عليها نفس المواصفات التى أخذتها من أمر توريد الهيئة، وتعمدت أن تكون الكمية كبيرة ليطلب منى وقتا لتدبيرها حتى لا أتورط فى دفع مبلغ كبير. وسلمت الورقة لعم زكى وبها 100 بدلة كحلى شتوى، 120 بدلة بنى شتوى، 60 بدلة رمادى بكم، 100 بلوفر كحلى، 120 بلوفر بنى، 60 بلوفر رمادى، 100 بدلة كحلى صيفى، 120 بدلة زيتى صيفى، و60 بدلة رمادى صيفى. نظر عم زكى فى الورقة وقال إن كل شىء سيقضى إن شاء الله، وأنه لديه جميع المقاسات بدءاً من 48 وحتى 58، ولكن علينا الاتفاق على السعر.
وبدأنا التفاوض، فالبدلة الترلين الصيفى الرمادى نصف الكم التى اشترتها الهيئة وفقا لأمر التوريد بسعر 115 جنيها و50 قرشا، عرضها علىّ عم زكى بمبلغ 40 جنيها! كادت شهقة أن تخرج من فمى قائلة «بس؟» ولكننى تماسكت وتظاهرت بغلو السعر وتفاوضت مع عم زكى الذى جبر بخاطرى لأنها المرة الأولى التى أتعامل فيها معه وهو يحب تربية الزبون، على حد قوله، وأقسم لى أنه اشتراها بمبلغ 32 جنيها وأن سعرها النهائى لى 35 جنيها، فوافقت متظاهرة بشطارة عم زكى. لنتفق على سعر البدل الصيفى مع اختلاف ألوانها بمبلغ 35 جنيها. ثم أمسكنا بالبدل الشتوى التى تشتريها الهيئة بسعر 119 جنيهاً و79 قرشا، وأراد عم زكى أن يبيعها لى بسعر 45 جنيها، ولكن بشطارتى كما يقول وصلناها لسعر 37 جنيها، وعلمت أنها تقف عليه بعد أن أقسم بالله العظيم، بسعر 35 جنيها محاولاً إقناعى بزيادة السعر بقوله: «دى صوف يا ست هانم».
أما السويتر الكحلى الذى تشتريه الهيئة بسعر 106 جنيهات و70 قرشاً فقد منحنى إياه عم زكى بسعر 35 جنيها أيضاً.. يا بلاش. كان لابد أن أعرف من عم زكى وأسجل له من أين يأتى بتلك الملابس، فقلت له: سامحنى يا عم زكى أنا أجادلك فى السعر حتى لا يشكك أحد فى الشركة فى الأسعار التى أشترى بها، فرد علىّ قائلا: «تصدقى بإيه؟» قلت: «لا إله إلا الله» فأكمل: «والله لو طفت السوق لتحصلى على تلك الأسعار ما عرفت». فقلت له: «لماذا؟ إياك أن تكون الأقمشة شايطة يا عم زكى؟» فسارع بالرد: «شايطة مين، هذه ملابس هيئة النقل العام، أتعرفين كم ستدفعين لو ذهبت لشرائها من السوق؟ اضربى السعر فى 3. أنا أتعامل مع هيئات كثيرة».
فسألته ببراءة: «ولماذا إذن سعرها رخيص؟» ليجيبنى عم زكى بكل بساطة: «هذه الملابس تشتريها الهيئة لتوزعها على العاملين بها كسوة للصيف وكسوة للشتاء، كهبة يعنى نلبسها أو نبيعها شىء يخصنا، والعاملون لا يهتمون بتلك الهبة ويفضلون بيعها للمسؤول عن الجراج الذى يتولى توزيعها عليهم وكل واحد وشطارته، أليس من الأفضل أن يعود لأبنائه ب 2 كيلو لحم؟ المعايش صعبة يا أستاذة، ويضعها فى سيارة ويأتى بها لى أو لغيرى من المعروفين فى هذه السوق. ونحن بدورنا نبيعها. «سألت عم زكى وكيف عرف بهذا الطريق؟» ليجيبنى بكل فخر: «محسوبك كان سواق فى الهيئة لمدة 40 سنة وكنت عامل شركة أنا و6 من زملائى للتجارة فى تلك الملابس».
يا للهول، كلمة يوسف بك وهبى الذى عرفنا منذ سنوات أن الدنيا مسرح كبير، ترددت فى عقلى كجرس يذهب ويجىء وأنا أنظر لعم زكى غير مصدقة ما يحدث أمامى. ويخرجنى عم زكى من شرودى بقوله: «تصدقى بالله مرة ثانية، أنا أعطى هذه الملابس بالسعر الذى قلته لك فى البداية ل(سامى) فيقبلها ولا يجادلنى فى السعر ويمسك القطعة ويقبلها ويعطينى فوق البيعة ثمن النقل». سألته: «ومن سامى هذا يا عم زكى؟» فقال لى سامى من الناس التى تورد للهيئة الزى الرسمى!» خاننى حذرى.. وسألته بسرعة: «وما علاقة سامى هذا بك؟» ليمنحنى عم زكى مفاجأة جديدة قائلاً: «سامى يورد للهيئة على دفعات، يورد مثلاً نصف الكمية ثم ينتظر بعض الوقت فأجمع له ما أستطيع من الملابس ليعيد توريده للهيئة، لأن ذلك سيوفر عليه أجور عمال وثمن قماش، ولكنه يأخذها منى جاهزة مثل الفل بلا تعب ولا وقت ضائع».
هل تصدقون ما قرأتم؟ أنا نفسى لم أصدقه حينما سمعته، لقد تعدينا فى مصر حدود الفهلوة والشطارة، بات علينا البحث عن مصطلحات جديدة تعبر عن طريقة كسبنا المال بطرق غير شرعية.
تتدخل ابنة عم زكى التى تضع طرحة الصلاة على رأسها فى الحديث قائلة: «بابا إنسان لا تعنيه الفلوس كثيرا ما يعطى من يشعر أنهم بحاجة للمساعدة، فى ذات يوم جاءه سواق يبيعه عددا من البدل وكان معه ابنه، وعندما رأى بابا رقة حالهما اشترى منه كل البدل وترك له واحدة ليلبسها، ومنحه 20 جنيها إضافية ليشترى لابنه طقما جديدا».
غافلت عم زكى وابنته وبدأت ألتقط صورا لأجولة الملابس بكاميرا الهاتف علنى أثبت حالة. بعدها حان موعد مغادرتى المكان فطلبت عينة لعرضها على رؤسائى فى الشركة واعدة عم زكى بالرد عليه فى غضون أيام قليلة. وكان لى ما طلبت فأصررت على دفع ثمنها، عدة أطقم صيفى وشتوى بمبلغ 170 جنيها.... يا بلاش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.