كنت منذ بدء أزمة جريدة «الدستور» حريصاً على أن أظل بعيداً عنها، ليس تجاهلاً لها، وإنما عن اقتناع بأن الأمور، مع الوقت، سوف تأخذ حجمها الطبيعى، دون تهويل، ولا تهوين. وقد كان الدكتور محمد أبوالغار، الطبيب والكاتب المحترم، هو الوحيد الذى أغرانى بأن أتعرض لها، حين قرأت له فى «المصرى اليوم»، صباح أمس، أن الدكتور السيد البدوى، عندما أقدم على شراء حصة من الصحيفة، فإنه قد أساء إلى نفسه، وأساء إلى «الوفد»، الذى يرأسه، وأن الصفقة عموماً - كما يقول د. أبوالغار - قد بددت تماماً صورة الدكتور البدوى المشرقة، التى ترسّخت لدى الناس وقت انتخابه رئيساً للوفد، فى صيف هذا العام، ثم قضت، كما يقول، على الوفد!.. و.. و.. إلى آخر ما جاء فى مقالة الرجل! والحقيقة أن هذه الأحكام النهائية المطلقة، التى جاءت فى مقالة الدكتور أبوالغار، الذى أحبه وأحترمه، هى التى دعتنى إلى أن أكتب هذه السطور، لتكون بمثابة «نقطة نظام» فى الموضوع من أوله إلى آخره! وربما يوافقنى الدكتور أبوالغار على أن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، وأن الدكتور السيد البدوى، الذى ناله من موضوع الدستور ما ناله، هو نفسه الذى فاز فى انتخابات الوفد بطريقة أثارت إعجاب الجميع، وهو نفسه الذى لما أراد أن يخوض الحزب انتخابات مجلس الشعب، لم يتخذ قراراً منفرداً بالدخول، وقد كان هذا فى إمكانه، ولكنه لجأ إلى الجمعية العمومية للحزب، لتقول هى ما إذا كان على الوفد أن يخوض الانتخابات، أم لا، وحين وافقت الجمعية بأغلبية بسيطة كان هذا الإجراء الذى لجأ إليه رئيس الوفد فريداً من نوعه، ولم يشهده أى حزب آخر. وإذا كان الدكتور البدوى قد أخطأ بشراء حصة فى «الدستور» فقد كان هو نفسه، الذى اعترف علناً، بأن قرار الشراء كان أكبر خطأ فى حياته، ولابد أن اعترافاً بالخطأ هكذا على الملأ كان فى حاجة إلى شجاعة لا يملكها كثيرون آخرون بيننا، رغم أنهم يرتكبون خطايا لا مجرد أخطاء كل يوم مع ضرورة الانتباه هنا إلى أن الدكتور البدوى، حين اشترى حصة من الصحيفة، كان يتصرف - بالشراء - فى ماله الخاص، ولم يكن شأن آخرين على الجانب الآخر يتصرفون فى مال عام ويخطئون ثم لا يعتذرون! لا أدافع عن الرجل بقدر ما أريد أن أقول إن ما حدث كان خطأ لا شك فى هذا، وهو خطأ اعترف به صاحبه، قبل غيره، وأن الوفد - فى تقديرى - قد استفاد مما حدث، وليس العكس، بمعنى أن الدكتور البدوى قد خرج من هذه المعركة، إذا جاز أن تسمى معركة، وهو عارف تماماً، ليس فقط بحدود ما يجب أن يفعله مستقبلاً، وإنما - وهذا هو الأهم - بحدود ما لا يجب أن يفعله، وليس أدل على ذلك، من أن الأستاذة منى الشاذلى حين سألته فى «العاشرة مساء» على قناة دريم، مساء الأربعاء، عما سوف يفعله لو تعارضت مسؤولياته، بين ما هو خاص فى حياته، وما هو عام فى الحزب، فقال إنه ساعتها، سوف يتخلص من الخاص، لصالح العام فى الحزب! باختصار.. الرجل أخطأ، واعترف، ولكن غيره يخطئ، ثم يتبجح، فيتحول الخطأ إلى خطيئة!