مر أسبوع وما زلت أشعر بضيق فى نفسى على أثر الصدمة التى أصابت الرأى العام لمقتل الشهيد أحمد زكى، أحمد طالب عمره تسعة عشر عاماً يسكن فى 19 عمارات العرائس بالبساتين، كان يستقل أتوبيساً من أتوبيسات هيئة النقل العام، وكان الوقت صباحاً، فى طريقه إلى الوايلى، ربما كان ذاهباً الى مدرسته، لا أستطيع أن أخمن ما الذى كان يفكر فيه عندما استيقظ من النوم فى هذا اليوم، وما الذى كان يدور بخلده وهو يستقل الأتوبيس ويرى وجوه الركاب الذين شهدوا اغتياله، هل أحس انقباضاً فى صدره، لن يعلم أحد أبداً ما الذى كان يدور فى فكره، شاب فى عمر الزهور، فى السن التى يملؤنا فيها الشعور بالتفاؤل والطموح، تراودنا فيها أحلام النجاح وما يترتب عليها من العيش فى بحبوحة ورخاء، هذه السن التى عادة ما يصادف فيها الشباب حبه الأول، زميلة النادى، أو ابنة الجيران، الحب الشريف الذى عادة ما يذهب أدراج الريح، ولا يبقى منه إلا ذكريات دفينة منسية، تهيجها أحياناً أغان وأنغام ارتبطت بهذه الذكريات. لعل أحمد كان يستعجل فى قرارة نفسه تحقيق طموحاته التى ظن أنها ملأت حياته، وارتباطه بفتاة أحلامه بعد التخرج فى الجامعة بنجاح، وكيف يغدق على والديه وينسيهما أيام المعاناة التى تكبدوها فى تنشئة وتربية ابنهما الوحيد، وكيف سيرد لهما الجميل ويكونان به فخورين! ربما كان بعض ذلك أو كله يدور برأس هذا الفتى النبيل حينما لاحظ التفاف ثلاثة من المجرمين حول سيدة تقف فى طرقة الأتوبيس، وربما ذكّرته تلك السيدة بوالدته، نظر إليهم ودقق النظر لعلهم يختشون، بالتأكيد لم يأبهوا له، ولعلهم نظروا إليه نظرة تحذير، واستمروا فى إلهائها وكان غرضهم الاحتيال لسرقة أشيائها، فما كان منه إلا أن قام بتحذيرها منهم دون أن يخشى تهديد نظراتهم، أو يعبأ بوعيد حركاتهم، لم يكن يهمه إلا أن ينقذ السيدة من براثنهم، ولعله أيضاً ظن أن هناك فى الأتوبيس رجالاً سوف يؤازرونه، خاب ظنه وتجاهله الركاب وتركوا البلطجية الثلاثة يدفعون به وينزلونه بالقوة من الأتوبيس، وهم على كثرتهم لا يحركون ساكناً ولا يتكلمون، وكأنهم صم عمىّ لا يتكلمون، لا تتحرك فيهم النخوة أو الشهامة التى عُرف بها المصريون، تركوهم ينزلونه ويذبحونه على مرأى من البعض، إن لم يكن من الجميع.. وكأنى أَسمع من شاهدوا الحادث من الجبناء ولسان حالهم يقول: «عيش ندل تموت مستور». إلى الأم الثكلى، والأب المنكوب.. لقد أنجبتما بطلاً، فضّله الله بأن جعله شهيداً فلا تحزنا، فلكل أجل ٍ كتاب، وعسى أن يكون لكما شفيعاً يوم الحساب، وهناك من الناس ومن المسؤولين من يهتمون بتكريم هذا البطل النبيل، فتكريم هذا الشهيد فيه إعلاء لقيم الشجاعة والنبل والشهامة والأمانة والصدق فى نفوس كل المصريين، تلك القيم التى لن تموت فينا ولن تندثر وإن اختفت أحياناً من بعض النفوس، ولا نامت أعين الجبناء من.. بتوع الأتوبيس.