عذرا، لقد تأخرت عليكم فى الحديث عن موضوع الساعة، حاولت لمدة أسبوعين تجاهل أزمة «الست طماطم» باعتبارها مشكلة عابرة ولا تستحق الكتابة، لكننى اكتشفت أن هذه «المجنونة» صارت أهم حدث يشغل الجميع حتى الشاعر الرقيق فاروق جويدة ترك كلمات الحب وتحدث عن ارتفاع سعر الطماطم، لذلك شعرت أننى أخطأت التقدير، لأن هذه الفاتنة «المجنونة» استطاعت أن توحد كل فئات وطوائف الشعب بعيدا عن اختلاف المذاهب والثقافات والطبقات، بل وحدت بين الصحف القومية والحزبية والخاصة، فقد احتلت العناوين الرئيسية دون تفرقة، وشغلت المسلم والقبطى، اليسار والإخوان، النساء والرجال، المثقفين والعامة، برغم أن الطماطم ليست وحدها فى قائمة ارتفاع الأسعار، فهناك عشرات السلع الأكثر أهمية التى ارتفعت أسعارها، ولم تشغل الناس كما فعلت هذه «البريمادونا المجنونة»، لذلك تجرأت وسألت نفسى: ما هى خطورة الحياة بدون طماطم؟، وفيها إيه يعنى لو نسينا الطماطم وركناها شهرين على الرف حتى تعقل وتعرف حجمها؟، وسخنت الأسئلة فى دماغى أكثر وطبقت نظرية الطماطم على الكثير من الأزمات التى نضخمها ونفرد لها مساحات تمنحها دور البطولة فى حياتنا رغم أنها بالكتير لا تستحق حتى دور كومبارس صامت، فقد لاحظت أننا ننفخ اليوم فى قضية ما فتظهر فى كل الصحف والبرامج التليفزيونية حتى يتخيل الناس أنها قضية عالمية وأزمة حياة أو موت، لأن وسائل الإعلام تفرضها بقوة وتحشرها فى دماغنا حشراً، وفجأة تموت القضية بالسكتة الإعلامية وتنصرف وسائل الإعلام إلى قضية جديدة، من دون أن يتابع أحد قضية الأمس، أو يعرف مصيرها أو ما حدث فيها، وبصرف النظر عن اعتبار ذلك دليلاً على تفاهة معظم هذه القضايا وعدم تأثيرها الحقيقى فى حياتنا. هذا الأسلوب فى تقديم وتضخيم القضايا، واختراع أى عناوين لا قيمة لها لإثارة الجدل، ترك فى عقولنا وبيوتنا وشوارعنا فراغا وفضاء لا تشغله إلا النفايات. قبل سنوات كنت أتابع عددا من البرامج السياسية الجادة التى تعتمد على المواجهات الحوارية لعرض وجهات النظر المتعددة بين المتحدثين، حتى اكتشفت أن هذه البرامج لا تساعدنى على المعرفة والوصول للحقائق، بل تزيدنى تشوشا، لأن الحوار يتحول إلى صراع ديوك، أو بصراحة أكثر صراع للثيران فى محل للتحف، يحطم الثمين ويوجع القلب أكثر مما يقدم فائدة للعقل أو متعة للعين، فالمحاور يفرح بتبادل الشتائم بين المتحاورين أكثر مما يسعى لعرض وجهات النظر بموضوعية، بل إنه يحزن بشدة ويشعر بالفشل إذا رأى ضيفه يتحدث بعقل وروية، فيقول له: هتسكت له.. خش عليه، وعبارات من قبيل إشعال النار فى الحلقة لأنه يرى أن ذلك أكثر جاذبية للمشاهدين ولفت أنظار المتابعين. قبل أيام زارتنى فى المساء صديقة وهى ترتدى نظارة شمس، تعجبت من الأمر وسألتها عن سر «النظارة السوداء»، فرفعتها بطريقة مسرحية وهى تشير لهالة زرقاء تحت عينها قائلة: «البيه ضربنى بالبوكس فى عينى»، وسألتها عن السبب فقالت كانت مناقشة وقلبت بخناقة. سألتها مناقشة إيه اللى تستاهل كل ده؟ قالت: ولا حاجة جر شكل على الغدا، كلمة منه كلمة منى وانتهى الحال بالبونية فى عينى، وتذكرت مناوشات كثيرة فى بيوت أقارب وأصدقاء معظمها ليس له ضرورة، وعلى طريقة الكاتب الساخر أحمد رجب نص كلمة تكفى عن أسطوانات الكلام الفارغ التى تدوش دماغنا، وتجعل حياتنا «مجنونة قوى يا طماطم»، ولكن بدون طعم.