شهر شوال شارف على الانتهاء ويبدأ بعد أيام قليلة شهر «ذوالقعدة». وبداية الشهر بالنسبة لى أعرفه أكثر من القمر، فلقد اعتدنا أكثر على الشهور بأسمائها «الجاريجورية» أو الميلادية، وهى التى تعتمد على دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة، ولم أعد أتوقف أمام الشهور القمرية إلا فى أشهر معدودات، على رأسها رمضان وشعبان ورجب طبعاً وذو الحجة ثم شوال بسبب صيامنا للستة البيض، أما ما عدا ذلك فنادراً. إلا أننى أحب رؤية الهلال، وأعتقد أن القمر من الأشياء أو المخلوقات التى حباها الله سبحانه وتعالى بالكثير من الأسرار التى مازلنا نستكشفها حتى اليوم. لدرجة أن هناك سورة فى القرآن الكريم باسمه. وفى آياتها الكريمة ربط قيام الساعة بانشقاق القمر، ولو فكرنا فى القمر لوجدناه مرتبطاً بكثير من الأمور فى حياتنا اليومية. والقمر منذ القدم يسحر الناس، لدرجة أن الفلكيين القدماء حاولوا رسم خرائط له، وأطلقوا على البقع الداكنة التى تظهر عليه أسماء مثل «محيط العواصف» و«بحر الأمطار».. وقد عرف القمر باللغات السامية القديمة ومنها العربية باسم «سنين»، ويقال إن من «سنين» اشتق اسم سيناء وجبل صنين أشهر جبال لبنان، وظل دوماً محل اهتمام الناس حتى قرروا اكتشافه. وكانت رحلة «أبوللو 2» عام 1961، التى قال فيها رائد الفضاء (نيل أرمسترونج) جملته الشهيرة «هذه خطوة صغيرة لإنسان وخطوة عملاقة للبشرية» والكون يتأثر بالقمر بشكل كبير. فالمد والجزر ظاهرتان طبيعيتان تحدثان لمياه البحار والمحيطات بتأثر من القمر. ويعتقد الصينيون أن القمر يؤثر على المد والجزر فى الدورة الدموية للإنسان، وبالتالى يؤثر على أعضاء الجسم، بل وصل بعض العلماء إلى القول بأن على الإنسان أن يأكل أقل عندما يكون القمر بدراً لأنه يتحول إلى دهون أسرع فى هذه الفترة. بل، قال أطباء آخرون إن تحديد موعد العمليات الجراحية يكون أفضل فى الفترة التى يزيد فيها حجم القمر لأن الجراح تشفى أسرع فى هذه الفترة. طبعاً كل ما يذكره هؤلاء الأطباء أكدوا أنه مجرد ملاحظات شخصية لا تستند إلى أرقام وإحصائيات، وفى هذا الإطار تقول بعض القابلات أو الممرضات اللاتى يقمن بالتوليد إن عدد الولادات يكون أكثر إذا كان القمر بدراً. وإذا ما انتقلنا إلى الناحية النفسية والعصبية فهناك كلمة فرنسية وإنجليزية هى (Lunatic) أى المجنون أو الطائش، بل تشرحها معاجم اللغة الإنجليزية بأنها «جنون متقطع يعتقد أنه مرتبط بمراحل ظهور القمر، والكلمة مشتقة من (Luna) وتعنى القمر باللغة اللاتينية». والأصل فى استخدام هذه الكلمة هو ما شاع خلال القرن الثامن عشر من أعمال جنون وجرائم كانت تحدث خلال مرحلة البدر، أى الظهور الكامل للقمر فى كبد السماء، وتم تبرير ذلك بتأثير القمر على عقلية الإنسان لدرجة أن أحكام القضاء كانت تخفف على تلك الجرائم، وإن كانت جرائم قتل عمد. ولم تقتصر هذه الاعتقادات على القرن الثامن عشر، بل هناك دراسة أجرتها مجلة طبية أمريكية هى مجلة «علم الطب النفسى الإكلينيكى» حول علاقة القمر بجرائم القتل.. وجدوا فيها بعد أبحاث وإحصائيات أن جرائم القتل ترتفع عندما يكتمل القمر وتنخفض عندما يكون القمر بدراً. وكل هذه الأبحاث تجد طبعاً أطباء آخرين يرفضونها، بل يرفضون أى علاقة أو تأثير للقمر على الإنسان. ومن ناحية أخرى وجدت دراسة إنجليزية تقول إن حالات التعرض لعضات الحيوانات ترتفع فى أيام اكتمال البدر وتحديداً الضعف. وقدمت السينما الأمريكية أكثر من فيلم عن «الذئاب» أو من سمتهم «الذئاب البشرية»، وهم الأشخاص الذين يتعرضون لعضة ذئب، ويتحولون هم أيضاً إلى ذئاب يكون أوج نشاطهم عندما يكتمل البدر. ولاحظ باحثون ألمان، بعد متابعة أكثر من 33 ألف حالة، أن احتمالات الحمل بمولود ذكر ترتفع فى أيام ظهور القمر فى حجم مكتمل. ومعروف تأثير القمر على أصحاب برج السرطان الذين يوصفون بالمد والجزر فى مزاجهم، ويسهب الفلكيون فى الحديث عن تأثير القمر على «مودهم». باختصار، لم يُكتب عن كوكب كما كُتب عن القمر.. تشبّه الفتاة الجميلة بأنها كالقمر أو كالبدر، وأحلى كلمات الحب كانت مقرونة بالقمر. كُتّاب الأغنيات والشعراء أسهبوا فى استخدام اللفظ. واليوم أصبح من ضمن المرادفات المستخدمة، مثل «يا جميلة» و«يا قمر»، مع أن التى توصف بهذا ممكن أن تكون أقل من عادية. وسواء اختلفنا مع الأبحاث العلمية والمعتقدات الشعبية والطبية القديمة أو حتى مع أصحاب الأبراج، حتى لو قلنا ما ردده البعض بعد الوصول إلى القمر من أنه عبارة عن صخور وجبال، وبعيد عن الجمال الذى وصف فيه عبر التاريخ، فإنه من المؤكد أن هناك كثيراً مما لا نعرفه بعد. أنا مقتنعة أن هناك الكثير من القوى التى تحيط بنا تشبه القوى الكهرومغناطيسية، لذلك تجدنا فى تغير الفصول تتغير أمزجتنا، بل يصاب البعض بالاكتئاب، والقمر إحدى هذه القوى. وكل ما على الأرض له أدوار لا نعرفها، ولعل هذا لحكمة لا يعرفها إلا الله وحده. [email protected]
