أتابع طوال الوقت مؤشر أداء أحد أهم أجهزة حماية أموال هذا الوطن وأعنى به الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى يضطلع بحماية اقتصاد مصر الداخلى، ويراقب عن كثب الأداء المالى للمؤسسات والهيئات الحكومية والتابعة لقطاع الأعمال العام، لعل الجميع يعرف أن نظاما حكوميا بحجم وتعقيد وتشعب النظام الحكومى المصرى سواء من حيث حجم أو عدد الأفراد أو حجم الأموال المتداولة والمشروعات المنفذة من خلاله بما يمكّن الحكومة وهيئاتها من أداء ما هو منوط بها من مهام لتوفير الخدمات اللازمة لحياة ما يزيد على الثمانين مليون مواطن يكاد يكون فرض نظام رقابى عليهم ضرباً من الخيال ما لم تساند الجهة الرقابية قوة كبيرة من الكوادر المؤهلة والمنزهة، ولكن الأهم أن تكون لديها القيادة القادرة على تحقيق أعلى استفادة من تشغيل هذه الكوادر لتحقيق الهدف الأسمى، وهو حماية اقتصاد مصر من الطامعين، وأنا أعنى هنا رجلاً أصبح مصدر ثقة واحترام كل من الشعب والقيادة وهو السيد المستشار جودت الملط الذى جعلنى أنا والكثير من المصريين نشعر بأن لنا عيناً تراقب أداء كل المؤسسات والهيئات الحكومية وكأننا نطالع دفاترها ونتابع إحداثياتها. هذا الأسبوع قرأت تقريراً مفصلاً ووافياً عن الأداء المالى للعام المنصرم صادراً عن الجهاز المركزى للمحاسبات عن أداء إحدى الشركات القابضة التى تؤدى خدمة حيوية للشعب المصرى، وهو تقرير يفند تفصيليا الأداء المالى للشركة من حيث الإيرادات وأوجه الإنفاق ومواضع المناقضات فى الأداء المالى للشركة، وحيث إن للشركة حق الرد على المناقضات المالية الواردة بالتقرير فإننى لن أتعرض لما ورد به من أرقام ومعطيات، لكن ما أريد استخلاصه من الأمر أمور تتعدى فى معناها محتوى التقرير نفسه: أولا: إن الأداء الرقابى فى مصر على الحكومة والمؤسسات التابعة لها لا توجد أمامه أى خطوط حمراء وإنه لا يوجد أحد فوق المساءلة، يرقى لمستوى الأداء فى أرقى الديمقراطيات فى العالم كله فهذا المستوى من الشفافية التى تتيح إدانة مؤسسة أو وزارة أو وزير، وهو أمر لم تعتده مصر فيما يتعلق بإمكانية نفاذ الشعب على الأداء الحكومى قبل عهد السيد الرئيس مبارك سواء فى تاريخها القديم أو الحديث للدرجة التى جعلت الأداء الحكومى موضوع حديث الصحف اليومية صباح مساء. ثانيا: إن الأداء الحكومى المصرى أصبح يتسم بمنظومة أداء متسلسلة يمكن مراقبتها دفتريا دون مواربة لتعدد الأنظمة الرقابية الداخلية داخل المؤسسات الحكومية التى تحدد مسؤوليات الصرف وتحد من شيوع المسؤولية، وهى الآفة التى عانى منها الهيكل الحكومى بل المصرفى فى مصر طويلا والتى أضاعت عليها الكثير من ثرواتها. أعزائى القراء، ولأننى اليوم بصدد تحية الدور الرائد الذى يقوم به الجهاز المركزى للمحاسبات ولأن الفساد الحكومى تعدى الشكل التقليدى للرشوة والانتفاع الذى عرفناه فى الماضى لمستويات تصل فى بعض الأحيان فى تصنيفها للجرائم الدولية الضارة بالاقتصاد القومى للبلد، أود هنا أن أتوجه بالشكر لكل الأجهزة الرقابية فى مصر العاملة على حفظ وصون ثرواتها والتى يتكامل دورها مع الجهاز القومى للمحاسبات كى تتحقق لمصر منظومة الأمن الاقتصادى التى لا غنى عنها للنهوض بهذا الوطن.