على الرغم من الرفض الحكومى السودانى القوى لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية بشأن الرئيس السودانى عمر البشير بارتكاب جرائم حرب فى دارفور، فإن صدور قرار المحكمة بتوقيف البشير يثير مخاوف الخرطوم وأنصارها على مستقبل البلاد برمته، فخلال الفترة الأخيرة كان النجم الأول فى السودان هو المدعى العام للمحكمة لويس موريينو أوكامبو، الذى طغى على جميع المشاهد السياسية الأخرى. وتماشياً مع موقفه وحكومته منذ صدور الاتهامات جدد البشير رفضه قرار المحكمة المرتقب قائلا إن مشكلة دارفور «صناعة غربية» تقف وراءها الدوائر الاستعمارية التى لا تريد سلاما ولا استقرارا للسودان، مؤكداً أن بلاده لن تخضع لتلك الضغوط، ومع ذلك تتنوع ردود الفعل السودانية المختلفة وخياراتها فى مواجهة القرار بحسب المحللين السياسيين. وأول هذه الخيارات أن تسلم الخرطوم بمبادرة منها المسؤولين المطلوبين للمحكمة أحمد هارون، وزير الشؤون الإنسانية وعلى كشيب، قائد ميليشيات الجنجاويد الموالية للجيش السودانى، رغم أن المسؤولين رفضا تسليم أنفسهما وهو الخيار الذى اقترحته فرنسا، كما أن الخرطوم تؤكد رفضها تسليم أى من مواطنيها للمثول أمام المحكمة. ويتمثل الخيار الثانى فى إمكانية إهمال قرار الاعتقال وتجاهله برمته من خلال إثارة مواجهة قانونية مع المحكمة، كونه صادر عن محكمة لم توقع عليها واعتبار اتهامات المحكمة «سياسية فى زى قانونى»، وهو ما أكده على عثمان طه، نائب الرئيس السودانى، بأن أوكامبو لا يحق له مخاطبة المحكمة الجنائية لفرض ولاية جبرية على الحكومة السودانية، التى ترى أنه لا صفة دستورية فى أى قرار خاص بمواطنيها ومسؤوليها من قبل الجنائية الدولية، إلا أن قضية عدم اعتراف الخرطوم بالقرار غير ذات أهمية لأن نظام روما الذى أنشأت المحكمة على أساسه يؤكد استطاعة مجلس الأمن تحريك أى شكوى ضد أى دولة سواء صادقت أو لم تصادق على المحكمة. وأحد الخيارات الأخرى أمام الحكومة السودانية هو التركيز على المواقف الدولية الحليفة. ويطالب البعض بأن تعقد الخرطوم صفقة مع الولاياتالمتحدة، المحرك الرئيسى لرفض تجميد قرار اعتقال البشر لمدة عام، وإن كانت تلك الصفقة ستكون لها تأثيرات على مستقبل السودان واستقراره. ويرى المسؤولون السودانيون أن حكومتهم لديها خطة كاملة للتعامل مع هذا الملف وأنها شكلت لجنة رئاسية لإدارة الأزمة مع المحكمة والاستمرار فى جهود حل أزمة دارفور مع المتمردين، على اعتبار أنها شأن داخلى، وهو ما يصعب نظريا خلال فترة وجيزة كون الكثير من الفصائل المتمردة المدعومة إقليميا ودوليا تعهدت بالعمل على إسقاط نظام البشير. وفيما يتعلق باحتمالات اعتقال البشير داخل السودان فإنها صعبة نظريا بحسب المحللين، ولكن القوى الرافضة لوجوده مثل متمردى دارفور والمعارضين السياسيين الذين تعهدوا بإسقاط نظام البشير والتعاون فى اعتقاله يشكل تهديدا للرئيس السودانى، لكن صعوبة هذا الخيار تحدده الأوضاع على الأرض، وما إذا قام المتمردون بانقلاب عسكرى تدعمهم فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما زيد الضغوط على البشر لتسليم نفسه للمحكمة.