منذ أربع سنوات تقريباً، تصورنا أن هناك تغيرات جذرية ستطرأ على المنظومة الضريبية المصرية، خاصة بعد أن قرر وزير المالية إعادة بناء البيت الضريبى من الداخل، ودمج مصلحتى الضرائب على المبيعات والضرائب العامة فى مصلحة واحدة أطلق عليها مصلحة الضرائب المصرية بقصد تطوير الإدارة الضريبية وخدمة المجتمع الضريبى والتطبيق العادل للقانون ضماناً لزيادة الموارد السيادية للدولة. وإمعاناً فى إيهامنا بالتغيير، استصدر معالى وزير المالية قانون رقم 91 لعام 2005 والذى قيل عنه وقتها، إنه القانون الأصلح والأكثر إنصافاً والأنسب تطبيقاً للممولين، لأنه يخفض سعر الضريبة من 40٪ إلى 20٪ ويرفع الأعباء العائلية من 3 آلاف جنيه إلى 5 آلاف جنيه، ويمكن الممول - لأول مرة - من استرداد الضريبة بسهولة ويسر، ومع انطلاقة حملة إعلامية ضخمة لتسويق القانون وذكر مميزاته، يتشجع الممولون وينفضون عنهم الخوف والشك، ويقدمون إقراراتهم الضريبية وسداد الضرائب المستحقة. وجاءت تصريحات الوزير بعد انتهاء الفترة المحددة لتقديم الإقرارات الضريبية عن عام 2006 شاهداً على نجاح القانون، وزيادة عدد الملتزمين بتقديم الإقرار الضريبى، وارتفاع حصيلة الضرائب إلى أضعاف ما كانت عليه فى الأعوام السابقة، وحدث نوع من التصالح غير المكتوب بين جميع خلايا وأنسجة المجتمع الضريبى، على أساس من الثقة والمصداقية، وترسخ لدى كل ممول فكرة عدم وجود أى التزام عليه، بعد تقديمه للإقرار الضريبى للمأمورية، وأنه غير مستهدف أو مراقب ومسؤول مسؤولية كاملة عن إقراره وليس من حق مأمور الضرائب الانتقال إلى أى ممول أو منشأة لأن القانون الجديد ألغى المعاينة، وأقر بمصداقية الممول طالما لم يثبت العكس. لكن يبدو دائماً أن ما نصدقه ونتمناه شىء وما يُحاك لنا شىء آخر، ولابد من نهاية سريعة لشهر العسل بين مصلحة الضرائب والممولين، وقدر أن تكون هذه النهاية بالتطرف فى تفعيل مواد القانون رقم 91 لعام 2005 من خلال ما سمى تعليمات 9 لعام 2009، والتى أصدرها السيد أشرف العربى، الرئيس الحالى لمصلحة الضرائب، وتهدف هذه التعليمات ببساطة شديدة، إلى الفوترة الفجائية للمجتمع المصرى كله، بإلزام الجميع بالإمساك بدفاتر وسجلات وحسابات منتظمة، بغض النظر عن طبيعة النشاط الذى يمارسه كل مواطن. وقد أثارت مثل هذه التعليمات غضب الكثيرين ومنهم الصيادلة الذين احتجوا عليها وعبروا عن اعتراضهم فى صورة إضراب لم يدم طويلاً لكنه كشف النقاب عن استياء شريحة من شرائح المجتمع المصرى من هذه التعليمات الجديدة، والتى أعتقد أنها جاءت فى وقت غير مناسب، وتفتقر لكل آليات التطبيق، وستؤدى لهدم جدران الثقة الموهومة فوق رأس الممولين ومأمورى الضرائب، واستحالة تنفيذ مثل هذه التعليمات راجع للأسباب الآتية؟ 1- لا يمكن الاستهانة بنسبة الأمية فى مصر، فكيف يمكن أن يمارس الممول الذى لا يقرأ ولا يكتب عملية الفوترة؟ وعلى أى أساس يتم الإقرار بالنظام المكتوب رغم استحالة تطبيقه؟ 2- شيوع ما يسمى الاقتصاد غير المشروع، وأعنى به تهريب البضائع وتجارة المخدرات والدعارة وتجارة السلاح وغيرها من الأمور التى يستحيل أن تطولها يد الضرائب. 3- هناك تكلفة تستلزمها عملية الإمساك بالدفاتر والسجلات لا تتناسب مطلقاً مع الأعمال التى يمارسها أصحابها، مثل: عامل المجارى وماسح الأحذية والحلاق والباعة الجائلين. 4- هناك قناعة لدى العامة بأن المنوط بهم تطبيق الالتزام الضريبى هم أنفسهم المتهربون منه، وما يتم جمعه من متوسطى ومحدودى الدخل تمتصه كروش الديناصورات وأصحاب البزنس ولا يحصد المواطن منه سوى: طرق غير ممهدة ومشروعات لا تكتمل وتخلف تعليم وغلاء وبطالة وعشوائية وزواج رأسمال ظالم بسلطة مستبدة، ودسترة تزوير... إلخ إلخ. 5- من المؤكد أن هناك أخطاء كبيرة فى المجتمع الضريبى يجب تجاوزها، لكن الإصلاح لا يولد فجأة، ولن يؤتى ثماره بعيداً عن الحكمة والتروى، فالانتقال المباشر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لن يؤدى إلا لحدوث كوارث، وما يطمح إليه السيد أشرف العربى قد يمكن قبوله فى المستقبل، ويضاف إلى سجل إنجازاته، أما هذه المرحلة فهى فى حاجة إلى رجل تربى فى مصلحة الضرائب، وتسلق درجاتها الوظيفية وعلم عن تراثها ما يمكنه من النهوض بالمجتمع الضريبى، وليست كل مؤهلاته أنه درس بالخارج أو عمل محاسباً بأحد المكاتب الكبرى، ويعرف كيف يفعل النظام تدريجياً فى مجتمع ملىء بالفوضى. أشرف العربى ليس ابن هذه المرحلة، وتركه يمارس مهامه الوظيفية الحالية رغم عدم قناعة الكثيرين به على رأس السلطة سيكون بمثابة فخ لوأد الإصلاحات الضريبية السابقة، وفتح أبواب المواسم الضريبية الفاشلة بداية من هذا العام. [email protected]