كثيرة هى أوجه غياب العدالة الاجتماعية على مستويات متعددة، فهناك العديد من الدراسات التى تؤكد تزايد الفجوة فى الرعاية والخدمات بين الريف والمدينة، بل داخل المدينة الواحدة - كالقاهرة - بين أحيائها الأرستقراطية وأحياء الفقراء أو العشوائيات، وتمددت ظاهرة غياب العدالة حتى داخل القطاع الحكومى الواحد، إذ يلاحظ المهتمون أن هناك فجوة هائلة بين مايتقاضاه شاغلو الدرجات العليا فى قمة الجهاز الحكومى وبين القابعين فى قاعه من صغار الموظفين من أجور وبدلات ومكافآت0 غير أن غياب العدالة بين الرجال والنساء يعد واحدا من أبرز وجوه غياب تلك العدالة، ولقد أصبح ما يسمى بتمكين المرأة واحدا من أهم مؤشرات مختلف أدلة التنمية البشرية، ويرى الباحث الجاد «نبيل عبد الفتاح» أن هناك ثلاثة مؤشرات تعبر عن تدهور قيمة الدولة فى عالمنا المعاصر، وهى: غياب الحريات العامة، وتراجع المعرفة والتعليم، وتردى أوضاع النساء0 ومن هنا فقد سعت وحدة تكافؤ الفرص بوزارة المالية إلى تنظيم ندوة تحت عنوان: «العدالة الاجتماعية فى الموازنة العامة» استهدفت من خلالها التعرف على واقع وأشكال التفاوت بين الرجال والنساء، ومحاولة تشخيص العناصر المسؤولة عن ذلك التفاوت والبحث عن سبل لسد الفجوة بين الرجال والنساء، ومدى مساهمة الموازنة العامة للدولة فى جهود سد تلك الفجوة0 وفى تلك الندوة قدم عدد من الباحثين المتميزين أوراقا مهمة، فقدم نبيل عبد الفتاح ورقتين، إحداهما بعنوان «حقوق المرأة فى إطار الاتفاقيات الدولة والدستور المصرى، مع التركيز على اتفاقية منع التمييز ضد المرأة» والثانية بعنوان «المرأة والمشاركة المعاصرة، صورة المرأة فى الاعلام»، كما قدم أحمد السيد النجار، ورقة بعنوان «كيف تستجيب الموازنة العامة لقضية النوع لتحسين وضع المرأة فى مصر؟»، وقدم الدكتور محمود عبد الفضيل ورقة بعنوان «رؤية مستقبلية لدور المرأة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية» كما قدمت فيفيان فؤاد ورقة بعنوان «السياسة الاجتماعية وحقوق المرأة والطفل، نظرة تقويمية» وأخيرا قدم الدكتور محمد البنا مداخلة بعنوان «الإطار الفكرى للمبادرة المصرية، حول مبادرة وزارة المالية المصرية إعداد موازنة مستجيبة للنوع الاجتماعى» وتؤكد تلك المبادرة على «التوجه العام لإدماج النوع الاجتماعى فى الموازنة العامة والتأكيد على أن هناك إدراكا ووعيا بالنوع الاجتماعى فى كل ما تتخذه الحكومات من سياسات أو تعده من موازنات خلال مراحل التخطيط والإعداد والاعتماد والتنفيذ والتقييم، ومن هنا تسعى تلك المبادرة إلى دمج البعد النوعى فى نظم المالية العامة سواء فيما يتعلق بالسياسات المالية المختلفة أو زيادة مشاركة المرأة فى صياغة السياسات الكلية والمالية ووضع المرأة والرجل فى وضع متساوٍ من حيث فرص العمل والأجور والتوظف والقيادة، والقضاء على أى معوقات تحول دون المشاركة على قدم وساق مع الرجل بغرض تضييق الفجوة النوعية بين الرجال والنساء فى كافة المجالات والارتقاء بأوضاع المرأة الاقتصادية والاجتماعية». ويصعب فى هذا الحيز استعراض الأوراق التى ناقشتها الندوة ولكنى سأشير إلى ملاحظتين مهمتين، الأولى لأحمد السيد النجار فى الورقة المشار إليها والتى يرى فيها أنه لا ينبغى مناقشة القضية على أساس المرأة فى مواجهة الرجل، لأن النساء لسن وحدهن فى وضع سيئ من زاوية البطالة وتدهور الأجور الحقيقية للعاملين وانتشار الفقر، بل هى قضايا عامة تخص المرأة والرجل معا، لكن المرأة تكون بالفعل أكثر معاناة، وبالتالى فإن معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بصفة عامة وبصورة قائمة على المساواة بين كل المواطنين رجالا ونساء تنطوى على معالجة المشاكل الخاصة بالنساء ضمن معالجة مشاكل المجتمع كله، ومع هذا يذكر الباحث العديد من المؤشرات فى التعليم والاقتصاد والعمل تؤكد تدهور وضع المرأة مقارنة بالرجل0 ويؤكد نبيل عبدالفتاح - فى الملاحظة الثانية - أن الدور السياسى المحاصر للمرأة، هو أحد نواتج تصور تقليدى ومحافظ للمرأة بوصفها مصدرا للشرور والخطايا والغوايات، وهو فهم يعود لبعض مكونات الثقافة الشعبية وبعض أنماط التدين الشعبى، ومن ثم حصار هذا الكائن الإنسانى وضبط دوره فى المجال الخاص، وفى نظام الأسرة أو العائلة، هذا التصور الشائع يعنى عدم قدرته على أن يكون رمزا على الدور القيادى خارج الحرم التقليدى لدور المرأة كزوجة وأم. إن هذا الفهم يتجلى فى أمور عديدة، منها الدعوة المتكررة لعودة المرأة إلى المنزل وترك العمل للرجال حلا لمشكلة البطالة، وعدم ترشيح الأحزاب السياسية للمرأة إلا اضطرارا وتجميلا للوجه السياسى للحزب بمقولة إنها لا تستطيع تحقيق انتصار انتخابى وسياسى0 ولقد أشارت العديد من الأوراق المقدمة إلى تردى أوضاع النساء فى مختلف المجالات وهانحن للمرة الأولى نشهد اعترافا من الدولة بالفجوة بين الرجال والنساء، وسعيا منها لسد هذه الفجوة، فهل تصدق النوايا، وهل يصدق العمل، وفى كل الحالات فإن السعى لإنصاف المرأة ومساواتها بالرجل أمر ينبغى أن يهتم به كل من يعنيه أمر هذا الوطن0 [email protected]