بدء التقديم الإلكتروني المباشر لطلاب المدارس التطبيقية للقبول بالجامعات التكنولوجية (الشروط والرابط)    بث مباشر بعد قليل.. مؤتمر نتيجة تنسيق كليات جامعة الأزهر 2025    تزامنًا مع عودة المدارس.. «الطفولة والأمومة» يطلق حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف والإساءة    تحالف الأحزاب المصرية يدشن «الاتحاد الاقتصادي» لدعم خطط التنمية وحلقة وصل بين الحكومة والمواطن    وزير الري يلتقي الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية لبحث مجالات التعاون المشترك    بعد انخفاض يومين متتاليين.. ارتفاع طفيف في أسعار الذهب محليًا    بينها بروتوكول اتفاق لتجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات.. الجريدة الرسمية تنشر 3 قرارات للرئيس السيسي    الأولى من نوعها.. مصر وإسبانيا توقّعان اتفاقية الشراكة من أجل التنمية 2025-2030    تعاون استراتيجي بين مجموعة طلعت مصطفى وبنك الإمارات دبي الوطني – مصر لإطلاق بطاقات ماستركارد الائتمانية الحصرية ذات العلامة التجارية المشتركة    كامل الوزير ومايا مرسي يشهدان توقيع بروتوكولًا لرعاية المسنين المحالين للتقاعد من «الصناعة»    مصر تبحث مع جامبيا فرص التعاون بالنقل والبنية التحتية والصناعة    فلسطين: افتتاح فيجي سفارة بالقدس اعتداء على الشعب الفلسطيني وحقوقه    رئيس الغرفة التجارية الإسبانية: فرص واعدة للتعاون الاقتصادي مع مصر    الصحة بغزة تكشف عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023    الاحتلال الاسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى محافظة بيت لحم    مقتل 3 عناصر شرطة وإصابة 2 في إطلاق نار بالولايات المتحدة الأمريكية (تفاصيل)    بيان ناري من غزل المحلة ضد حكم مباراة المصري    من هو معلق مباراة الزمالك والإسماعيلي والقنوات الناقلة في الدوري المصري؟    منتخب طائرة مصر يودع بطولة العالم بعد الخسارة من تونس    أبرزها لقاء الزمالك والإسماعيلي.. مباريات قوية في الدوري المصري اليوم    الليلة.. انطلاق مواجهات الدور نصف النهائي من بطولة CIB المفتوحة للإسكواش الماسية 2025    حقيقة تفاوض الأهلي مع الألماني فيليكس ماجات لتدريب الفريق    أجواء شتوية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18-9-2025 ودرجات الحرارة المتوقعة    حبس شاب لاتهامه بقتل صديقه حرقا في الشرقية    ضبط 1426 نسخة من الكتب الدراسية الخارجية المقلدة دون تفويض بالشرقية    إصابة 9 أشخاص إثر تصادم 3 سيارات على طريق «السادات – كفر داود» بالمنوفية    الداخلية: ضبط 98604 مخالفات مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وفاة الإعلامية يمنى شري بعد صراع مع المرض    مبنى «تمارا» بالقاهرة الخديوية يفوز بجائزة «أفضل ممارسات الحفاظ على التراث العمراني والمعماري لعام 2025»    مهرجان "VS-FILM" يكرم أشرف عبد الباقي في حفل افتتاح دورته الثانية    سؤال برلماني بشأن واقعة اختفاء إسورة أثرية نادرة من المتحف المصري بالتحرير    القرفة العيدان أفضل ولا الأكياس الجاهزة؟.. استشاري مناعة توضح الفوائد والأضرار    وكيل صحة شمال سيناء يفاجئ مخازن مديرية الشئون الصحية    رئيس الرقابة الصحية يستعرض تقرير إنجازات 2024/2025 أمام مجلس الوزراء    نيللي كريم توضح سبب غيابها المحتمل في رمضان 2026    القبض على المتهمين بقتل أب ونجله في خصومة ثأرية بقنا    من مصر لغزة.. انطلاق قافلة المساعدات الإنسانية ال40 ضمن «زاد العزة»    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثاني لكلية طب الأسنان بجامعة الجلالة    حقوق العامل في قانون العمل الجديد.. هل يحقق الأمان الوظيفي؟    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    أسعار الفراخ فى البورصة اليوم الخميس 18 سبتمبر    بعد ساعات من هربه.. القبض على قاتل زوجته بمساكن الأمل في ضواحي بورسعيد    مصروفات المدارس الخاصة صداع في رأس أولياء الأمور.. والتعليم تحذر وتحدد نسبة الزيادة    خواكين فينيكس وخافير بارديم وإيليش يدعمون الحفل الخيرى لدعم فلسطين    «متحدث الصحة»: نقص الكوادر الطبية مشكلة عالمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الرئيس السيسى يوافق على بروتوكول اتفاق لتجنب الازدواج الضريبى مع الإمارات    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    إطلاق فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في مؤتمر صحفي بالقاهرة    مسلسل حلم أشرف يشغل مؤشرات بحث جوجل.. تعرف على السبب    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    «فضيحة تحكيمية».. غزل المحلة يصدر بيانا غاضبًا بسب «قرارات المصري» ويقاطع مباريات «بسيوني»    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "أكسيوس": المباحثات الإسرائيلية السورية بشأن اتفاقية أمنية بين البلدين تحرز تقدما    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحب الضائع»من أم كلثوم إلى اللمبى: مصر بتتغير بينا

حب إيه؟... يترنح الفتى المسطول، الشهير باللمبى وهو يهزأ بالحب ووجدان جيل كامل من خلال أغنية أم كلثوم الشهيرة، قبلها بثلاثة عقود تقريباً استخدم مونولوجيست فى أواخر السبعينيات الأغنية نفسها للسخرية من ارتفاع الأسعار قائلاً: حب إيه اللى إنت جاى تقول عليه.. وكيلو اللحمة بقى باتنين جنيه؟
حب إيه؟.. سؤال برىء تحول إلى ما يشبه مثلا شعبيا شائع الاستخدام ويكتسب معناه حسب كل موقف ومرحلة، وعندما طرحه عبدالوهاب محمد لتغنيه أم كلثوم فى نهاية الخمسينيات، كان يقصد إعلاء قيمة الحب (إنت عارف قبلا معنى الحب إيه!.. لما تتكلم عليه؟.. ليه بتتجنى كده ع الحب ليه؟).
لكن التقدير تحول مع الألفية الثالثة (عام 2002) إلى استخفاف طرحه اللمبى فى إطار انتهاك عدمى يبدو أقرب إلى الانتقام والتشفى من رومانسية عفا عليها الزمن، وذلك بعد سنوات من محاولة ربط الأحلام الرومانسية بالحاجات الاستهلاكية التى انفجرت بعد سنوات قليلة من الانفتاح غير المدروس فى السبعينيات.
حب إيه؟.. إحنا ما بينا وبين الحب «دنيا»، و«عولمة»، و«حاجات» جعلت البطون فوق القلوب، أمن الحق إذن أن الحب يقاس بالحاجة؟.. أفكنت محبة لك لأنى محتاجة إليك؟.. هكذا تساءلت بطلة طه حسين فى «الحب الضائع»، وهى تربط الحب بالحاجة، وهكذا تحول المصرى من «مواطن عاطفى» مشبع بالشعارات، والأحلام القومية والأغانى الوطنية وخطب الانتماء.. إلى «مواطن بيولوجى» مشبع ب«حاجة تانية» وهواجس تدور حول مأكل وملبس وتناسل ورغبات استهلاكية، خطط لها جنرالات التسويق الكونى بعد قصف مكثف بصواريخ الإعلان التجارى وثقافة ال«ماك».
حب إيه؟.. وأنا أشتاق إلى عرقسوس أو خروب مثلج فى سطل من الألومنيوم، فلا أجد إلا مشتقات الكولا، تعودت رغماً عنى على البرجر والهوت دوج بعد أن تراجعت مأكولاتنا ومشروباتنا، وذكرياتنا، ومشروعاتنا وأفكارنا الوطنية، من ميدان الفعل إلى دائرة الفولكلور.. لقد أصبحنا كائنات متحفية، أشعر أن الآخر المتقدم يتعامل معنا لأسباب أنثروبولوجية فقط من أجل الحفاظ على النوع من الانقراض.
حب إيه؟.. وتاريخنا تحول إلى كومة من الحجارة.. الهرم حجر، والمعبد حجر، والمسجد حجر، والكنيسة حجر، والبشر حجر! أخذتنا التغريبة للخدمة فى بلاد لم تكن قد ظهرت للوجود منذ عقود، وهذه البلاد التى غنينا لها «بلاد العرب أوطانى».. تجلدنا وتستعبدنا وتستبعدنا، حتى أصبح التجاسر على دور مصر «هواية عربية» أو «سادية عربية» تتلذذ بإهانة المصريين.. وما بين تقاعس الداخل واجتراء ونكران الخارج صرنا خارج المرحلة.. تليفزيوننا الرسمى مهجور لصالح محطات واق الواق، ومدارسنا خارج الزمن، وجامعاتنا، وشوارعنا، وبيوتنا، و..
حب إيه؟.. والهموم المطروحة فى إعلامنا، وقضايانا المركزية لا تزيد على احتياجات الحشرات (نأكل ونشرب ونسكن ونتناسل).
أظننى مازلت أذكر أن الحب يحتاج إلى بيئة ينمو فيها، فكيف يحب جائع؟ وكيف يحب خائف؟ وكيف يحب كائن بلا مأوى أو عمل أو جدوى أو مستقبل؟ أظننى مازلت أذكر آلاف الصفحات التى امتلأت بالحديث عن أهمية البناء الفوقى للإنسان، أهمية الفن والشعر والإحساس بالجمال، إلى جانب الاحتياجات المعيشية حتى لا يتحول الإنسان إلى مسخ استهلاكى بلا روح، لابد من سماء لهذه الأرض التى تفرغنا للتحديق فيها حتى تعودنا أن نمضى بقية حياتنا مطأطئى الرؤوس!
حب إيه؟.. من يملك أن يحمل جبل همومه ويخرج إلى كورنيش النيل فى ساعة عصارى ليقول لحبيبة مثقلة بجبلها «أحبك»؟ من يملك أن يغنى من قلبه «مصر هى أمى» ولا يدخر طائعاً عبارات الهجاء لوطن أقل ما نقول له عتاباً: «آه يا بلد عاوزة ولد»؟ من يملك أن يختلى بنفسه أو بحبيب مقرب ليدير مؤشر الراديو على صوت أم كلثوم عند الخامسة فى الإذاعة التى توارت تحت ضجيج الروك والبوب؟ من يملك أن يصطحب طفله يوم إجازة ليتأمل معه زخارف جامع محمد على فى القلعة ويحدثه عن تاريخ كانت لنا فيه أيام مبشرة؟
من يملك رفاهية أن يمضى يومه بلا خوف من شرطى، أو اتهام ظالم يسقط على رأسه فجأة، أو مشاجرة عنيفة مع جار كان سنداً وعوناً يوماً ما؟
من يملك أن يمضى شهراً بلا رعب من دين أو مرض عصىّ لا يقدر عليه؟
من يقدر أن ينسى أن مصر التى حلمت يوماً بتماثيل رخام وأوبرا فى كل قرية وتغنت بتحالف قوى الشعب العامل وتذويب الفوارق بين الطبقات، صارت تعانى من «تناحر قوى الشعب العاطل»، وصارت طبقاتها «طوابير من المرضى»، فهذه طبقة مرضى الفشل الكلوى، وهذه طبقة «فيروس سى»، وهذه طبقة الأنيميا أو أمراض يمنعنا قليل من حياء تبقَّى أن نذكر اسمها احتراماً لإحساس قد لا يزال بعضه حيا!
حب إيه؟ يتجاسر متفائل بالإرادة ويهاجم مثل هذه الآراء السوداوية مشيداً بإنجازات حكومية وشعبية عن التأمين الصحى وإنشاءات الكبارى والمدن الجديدة والمولات الفخمة، والقرى والمنتجعات السياحية، ومكتبة سوزان مبارك، ومشاريع تطوير وتجميل كرانيش النيل والبحر، والقنوات الفضائية والأرضية، وقدرتنا خلال سنوات على المنافسة فى مسابقات ملكة جمال الكون، وفوزنا بكأس القارة فى عدة لعبات رياضية، وحكمة قادتنا التى تفيض على حكام المنطقة والعالم عبر نصائح لضبط النفس.
ولا أملك من الجحود ما يدفعنى لنكران كل ذلك وغيره الكثير، وربما أملك من الحلم ما يغرينى بتوسل التفاؤل لأتحدث عن مصر التى أحب، مصر التى فى خاطرى وخاطركم، مصر التى لا تموت برغم كل هذه المآسى، مصر التى تبحث عن «نشيد الأمل» وتغنى مع أم كلثوم «يا مجد ياما اشتهيتك» و«الأمل لولاه عليا.. كنت فى حبك ضحية»، و«أسمع نشيد الأمل وأغنّى لحن الأمانى»، لكننى أخشى، رغم كل هذا الظمأ، أن يتحول ماء الأمل إلى مجرد سراب، لأننى للمصادفة التعيسة لا أستطيع أن أتجاهل رد الممثل العبقرى بيلى بوب ثورنتون خلال فيلم قام فيه بدور رجل لديه تخلف عقلى بسيط لكنه بارع فى إصلاح الماكينات.
وعندما يسأله رئيس الورشة فى حيرة: لقد قمنا بتركيب هذه الماكينة حسب الكتالوج من أجود أنواع قطع الغيار، وكل قطعة فى مكانها، لكنها لا تعمل، فيمد الرجل يده ليفتح غطاء الخزان ويقول له: لأنها بلا وقود، كما لا أستطيع أن أتجاهل لوثة مايكل أنجلو وهو يضرب التمثال الرخامى الذى صنعه لنبى الله موسى ويقول له من فرط دقة التمثال ومطابقته للصورة البشرية: انطق يا موسى.
لكن «الكليم» لا ينطق، لأن التمثال بلا روح، وأظن.. أظن أن الحب هو الروح وهو وقود الماكينة التى اسمها مصر..
فمتى نعثر على هذا «الحب الضائع»؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.