فى مثل هذه الأيام منذ أربع سنوات، كانت الشائعات تطارد القيادات الصحفية المصرية كل يوم، وهو ما دفع إبراهيم سعدة لكى يكتب استقالته من رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة تحرير «أخبار اليوم»، على الصفحة الأولى، منتقداً الصمت الرسمى حول شائعات التغيير، وهو ما فعله أيضاً مكرم محمد أحمد، مبرراً ذلك أيامها بأن الدولة تعاملت مع موضوع التغيير بشكل غير لائق، عبر ترويج الشائعات وتسريب الأخبار.. فى هذه الأيام كان صفوت الشريف قد انتقل من وزارة الإعلام لرئاسة مجلس الشورى، وبدا لكثيرين أيامها أن تلك الخطوة إزاحة للشريف فى استراحة الشورى، تمهيداً لتقاعده السياسى، غير أن الرجل قبل بالتراجع خطوة، ليقفز عدة خطوات بذكاء ودهاء المناور السياسى البارع، الذى نجح فى التعايش والتأقلم مع التناقضات بأمان، وكان أول ملف فتحه كرئيس لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة هو ملف القيادات الصحفية التى كانت لا تجرؤ أى جهة فى مصر على الاقتراب منه، بعد أن تجاوزوا فى مناصبهم ربع قرن رغماً عن القانون والدستور بل وأى عرف، وكان هذا الملف والتغييرات أول تحد لصفوت الشريف يجتازه ببراعة، وأيامها قال إن ما حدث فى الماضى لن يتكرر، لأن مصر دولة قانون ومؤسسات، ولكن يبدو أن الرجل نسى فى غمرة صعوده السياسى المذهل مسألة المؤسسات والقانون، فقد انتهت منذ شهر يوليو الماضى مدة رؤساء التحرير (3 سنوات)، كما أن بعض رؤساء مجالس الإدارة (4 سنوات) قد انتهت هى الأخرى، ولايزالون مستمرين دون أى قرار رسمى، ولعل حالة الزميل مرسى عطاالله فى «الأهرام» تعيد للذاكرة أجواء استقالة إبراهيم سعدة، فقد صدر للرجل قرار مفاجئ برئاسة مجلس إدارة «الأهرام»، وهو يقترب من الخامسة والستين وذلك فى يونيو عام 2007، ونص القرار على تعيينه لمدة سنة أو لبلوغه سن الخامسة والستين أيهما أقرب، وقد تجاوز الرجل الخامسة والستين فى فبراير 8..2 أى منذ عام، وخلال هذه الفترة القصيرة أنجز الرجل الكثير - خاصة أنه ابن المؤسسة وله رحلة كفاح قطعها فى صبر وصمت واتزان - ولو سألت «الأهراميين» فى يناير الماضى عقب توزيع الحوافز والأرباح لطالبوا باستمراره مدى الحياة، خاصة أنه أجرى إصلاحات واسعة فى تضييق الفجوة بين الدخول، وربما يحب كثيرون، ومنهم صفوت الشريف، مرسى عطاالله ويحترمونه، ولكن فى دولة المؤسسات ينبغى أن نحب القانون أكثر ونحترمه، خاصة أن التصريحات والتفسيرات والتبريرات التى ساقها الشريف حول تأجيل التغيير، تجعل المرء يتساءل أى صفوت نصدق، ففى 11 نوفمبر من العام الماضى قال لبرنامج «البيت بيتك» إن تغييرات رؤساء الصحف القومية ستعلن عقب إجازة عيد الأضحى، وفى الثانى من فبراير قال لصحيفة «المصرى اليوم» إن الحركة محدودة للغاية وستتم فى أقرب فرصة ممكنة، وفى اليوم التالى أكد لصحيفة «العربى» أن ملفات التغيير الصحفية مفتوحة، وقد تحدث فى أى لحظة وفق رؤية القيادة السياسية، وقال إنه لا توجد ملفات مغلقة أو أسماء معينة محصنة ضد التغيير، ونفى ما نشرته صحيفة يومية من أنه يزكى بقاء أسماء معينة من القيادات الحالية، ثم أكد للصحيفة قائلاً إنه يتوجب علينا فى كل الأحوال احترام القانون، وأن التغييرات سوف تجرى وفق السلطات المنصوص عليها فى «الدستور»، وأمس الأول لصحيفة «الأهرام» قال إنه لا تغييرات لرؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية.. وقد حاولت قبل الكتابة الاتصال به للتأكد من تصريحه ولكنه لم يرد، لكى يبقى السؤال «أى صفوت نصدق» وأى تصريحات نقبلها، وهل للرجل سلطات فوق القانون والدستور لكى يقول ويفعل ما يشاء، دون أن يجد من يسأله التفسير أو التبرير، وهل يجوز له كرئيس لمجلس الشورى ورئيس لجنة الأحزاب وأمين عام للحزب الحاكم، أن يتعامل بتلك الخفة مع القانون والدستور؟!، ثم لماذا يطلب منا أن نصدقه فى هذه المواقع، خاصة أن موقعه على رأس هذه المؤسسات يجعل منه قاضياً أكثر منه مسؤولاً.. إلا إذا كان يعتبر المؤسسات الصحفية القومية ملكية خاصة يتصرف فيها كما يشاء، وبالطبع مَنْ حكم فى ماله فما ظلم!