يتابع كل واحد فينا أحوال العالم، ثم يتأمل حال بلده، ويتمنى لو انتقل كل شىء جميل من هناك، إلى هنا، مرة واحدة... وحين كنت أقارن، صباح أمس، بين دستور صنع حلماً فى الولاياتالمتحدة، وبين دستور آخر أجهض حلماً فى العراق، لأن الأول يوحِّد الدولة، والثانى يمزقها، كنت بطبيعة الحال أتكلم وعينى على وطنى، ثم على الدستور الذى يحكمه! فلا الدستور الأمريكى، الذى صَنَعَ من الولاياتالمتحدة، ما نراه فيها الآن، يهمنا، إلا بالقدر الذى يتصل فيه بنا، ولا الدستور العراقى الذى وضعه الاحتلال يهمنا أيضاً، إلا إذا اتصل بالعبرة التى يمكن أن نستخلصها من طريقة صناعته، ومن تداعيات وجوده، على حاضر العراق وعلى مستقبله... وفى الحالتين، وفى غيرهما، يظل المرء متفرجاً، يشاهد ما يدور هناك، ويقارن، ويستنتج، فإذا تعلق الأمر بنا، انقلب وضع المتفرج، بالنسبة لى على الأقل، إلى وضع آخر، أُصبح فيه مجنداً مع غيرى، من أجل إصلاح جذرى لأوضاع مأساوية نعيشها! وقد كان الأستاذ خالد محمد خالد قد وضع كتاباً، فى مطلع ثورة يوليو، أثار ضجة فى حينه، ولاتزال له قيمته، وكان عنوانه: من هنا نبدأ! وبصرف النظر عن «هنا» هذه، التى كان يقصدها الأستاذ خالد، وعن موقعها بالضبط، بين أولويات البدء، التى كانت مطروحة فى تلك الأيام، فإننا نجد أنفسنا، اليوم، مطالبين بأن نعيد صياغة عنوان ذلك الكتاب، بحيث يصبح فى صورة سؤال يقول: من أين نبدأ؟! ولأننا لسنا الوحيدين، على وجه الأرض، فإن إجابة السؤال، تصبح سهلة للغاية، لو نظرنا إلى باقى الأمم، ماذا فعلت بالضبط، ومن أين بدأت، حين أرادت أن تصل إلى غاية الطريق! ورغم أن المقارنة بين مصر والولاياتالمتحدة، لا تجوز فى أحوال كثيرة، فإنها تجوز فى حالة الدستور وحده، لأن نظام الحكم على الأقل، واحد فى البلدين، من حيث طبيعته الرئاسية المتوحشة، التى يعلو فيها الرئيس، على كل شىء، ويسمو فوق كل كيان فى الدولة... فالرئيس رئيس فى النهاية، بسلطاته، ومخصصاته، ووضعه الفريد، ومزاياه، حتى ولو كان يعمل من خلال مؤسسات راسخة من نوعية ما هو قائم فى واشنطن. وإذا كان من الجائز، والحال هكذا، أن يكون الدستور هناك، موضع مقارنة مع دستورنا هنا، فسوف نمضى خطوة أخرى أبعد، ونقول إننا نريد أن يكون موضع المقارنة، مادة واحدة فى الدستورين، وهى المادة التى تتعلق بفترة بقاء الرئيس فى الحكم! هناك انتهوا منها، من زمان، وجعلوها 8 سنوات بحد أقصى، وهى مسألة ليست محل نقاش مطلقاً، حتى ولو كان الرئيس من الأنبياء المرسلين! وعندنا تقول المادة 77 الآتى: مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء (أصبح انتخاباً) ويجوز انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى!! أما البداية الحقيقية، لأى إصلاح جاد، فهى أن يعاد انتخابه «مدة واحدة فقط»... وقتها سوف يكون لدينا حلم، لأنه سوف يكون عندنا دستور.. أما الآن فنحن بلا حلم، لأننا بلا دستور!