يصل إلى المنطقة هذا الأسبوع المبعوث الأمريكى القديم- الجديد للشرق الأوسط جورج ميتشل، فى جولة، قيل إنها تهدف بالأساس إلى استطلاع المواقف من مسألة دفع العملية السياسية فى المنطقة. وافتعلت إسرائيل فى الأيام الأخيرة ضجة صاخبة فى اتجاهين؛ الأول يتعلق بتعيين شخص ميتشل، و«خيبة الأمل الإسرائيلية من هذا التعيين»، والثانى يتعلق بإمكانية أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا على الحكومة الإسرائيلية فى اتجاه الحل. بالنسبة للتعيين فقد حاول اللوبى الصهيونى فى الولاياتالمتحدة وإسرائيل الدفع باتجاه تعيين المبعوث الأسبق للشرق الأوسط دينيس روس، وهذا ليس فقط لكونه يهودياً، بل لأن روس يرأس ما يسمى ب «معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودى»، وهو تابع مباشرة للوكالة اليهودية الصهيونية، التى تتعامل مع أبناء الديانة اليهودية فى العالم على أنهم شعب، ومهمة هذا المعهد وضع استراتيجيات لسياسته الخارجية بما فى ذلك إسرائيل. وتربط إسرائيل «خيبة أملها» من ميتشل بسبب موقفه «الحازم»، حسب إسرائيل، من مسألة الاستيطان فى الضفة الغربيةالمحتلة، ومطالبته بوقف الاستيطان، كشرط مطلوب من إسرائيل لدفع العملية السياسية. على أى حال، فإن تعيين ميتشل، مرحليا، أصبح تحصيل حاصل وهو سيصل إلى المنطقة، لنرى بدايات عمل الإدارة الأمريكية، ولنعرف لاحقا ما هى الترجمة الميدانية لتصريحات الرئيس باراك أوباما التى أعرب فيها عن عزمه دفع العملية السياسية فى المنطقة. إلا أن ميتشل يأتى فى المنطقة قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التى ستجرى فى العاشر من شباط (فبراير) المقبل، وعمليا فلا يمكنه أن يستخلص حقيقة الموقف الإسرائيلى الرسمى، ليس فقط فيما يتعلق بأفق الحل، وإنما حتى معرفة ما هى نية الحكم فى إسرائيل من مسألة استئناف العملية التفاوضية، وما طبيعة المفاوضات التى يسعى عليها. ولكن هذه مسألة تجيب عنها برامج الأحزاب الكبرى فى إسرائيل، وبطبيعة الحال الحزب المرشح لتولى الحكم، الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وهذه البرامج، من حزب «العمل» بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، الذى تزجه مفاهيم الحلبة السياسية فى خانة «اليسار الصهيونية»، وحتى «الليكود» اليمينى، فإنك لا تجد برنامجا واضح المعالم حول تفاصيل الحل الدائم، إذ يكتفى كل حزب بالعموميات. فبالنسبة لحزبى «كديما» و«العمل»، فقد شهدنا فى السنوات الأخيرة مواقفهما مطبقة على أرض الواقع، والحكومة بقيادتهما أجرت مفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من أجل دفع المنطقة نحو الحل. وإذا ما اعتمدنا ما تتنبأ به الاستطلاعات الإسرائيلية بأن نتنياهو هو المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة، فحينها يكون برنامجه الأهم فى هذه المرحلة، وبرنامج الليكود ورئيسه نتنياهو واضح، من حيث رفضه لإجراء مفاوضات سياسية فى هذه المرحلة، وحتى لسنوات. وهذا بحد ذاته يقول إن الإدارة الأمريكية، وإن صدقت نوايا الرئيس أوباما كما طرحها، فإنها لن تجد «شريكا إسرائيليا» للمفاوضات، وهو المصطلح الذى استخدمته إسرائيل على مر سنين للتهرب من المفاوضات، بأن «لا شريك فلسطينيا للمفاوضات». ولكن ماذا عن احتمال أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا على إسرائيل من أجل دفعها نحو طاولة المفاوضات الحقيقة ودفع المنطقة نحو الحل؟ نتنياهو لم يترك هذا التساؤل من دون إجابة، ففى تصريح له فى بيان رسمى ردا على تصريحات أوباما وأنه قد يمارس ضغوطا على إسرائيل، جاءت العبارة التالية التى لم يتم التوقف عندها: «نتنياهو يعرف أمريكا أكثر من غيره، ويعرف كيف يتعامل معها». برهوم جرايسى نقلاً عن جريدة «الغد» الأردنية