فى أمريكا، رجل اسمه «بن برنانكى»، يتولى منصب رئيس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، بما يوازى محافظ البنك المركزى عندنا، ويقال دائماً عن هذا الرجل، إنه إذا عطس بصفته، فإن العالم كله يصاب بالزكام! وربما يكون فى انتقال الأزمة المالية العالمية، من واشنطن إلى سائر دول العالم، بهذه السرعة، وهذا الحجم، دليل ناصع على صدق هذا الكلام! وقد خرج «برنانكى» مؤخراً ليقول، إن تداعيات الأزمة عالمياً مروعة، وإن حجم الثروات التى تتبخر فى لحظة، لا يكاد يصدقه عقل، وإن الأزمة إلى انتهاء حتماً، ولكن لا أحد يعرف متى تأتى نهايتها، غير أن الذى نعرفه عن يقين، هو أنها سوف تزول.. متى؟! الله أعلم، كما أن ذلك مرتبط فى رأيه بما سوف تتخذه الحكومات المختلفة، على امتداد الأرض، من إجراءات قوية لتحصين اقتصاداتها! وقد ظل الرجل، منذ بدء الأزمة فى بلاده، فى 16 سبتمبر الماضى، ينزل بمعدل الفائدة على الدولار، إقراضاً وإيداعاً، إلى أن وصل به إلى ربع فى المائة، وكان ذلك مثار دهشة وحيرة خبراء الاقتصاد، وغير خبراء الاقتصاد فى كل بلد.. ولم يلبث الرجل، حتى عاد منذ أيام، ووصل بمعدل الفائدة إلى صفر.. وهى مسألة غير مسبوقة على الإطلاق، اللهم إلا فى اليابان، خلال الثمانينيات من القرن الماضى.. ويجب ألا ننسى أيضاً، أن معدل الفائدة على الإسترلينى، ظل ينخفض حتى وصل إلى أدنى نسبة له، منذ إنشاء بنك إنجلترا عام 1694! وربما يكون السؤال الأكثر إلحاحاً هنا، على النحو التالى: إذا تصورنا أن «برنانكى» تولى صباح غد، موقع محافظ البنك المركزى المصرى، بدلاً من الدكتور فاروق العقدة.. فهل من الممكن أن تكون إجراءاته وقراراته لمواجهة تداعيات الأزمة علينا، هى نفسها التى اتخذها، ولايزال يتخذها فى بلده، منذ بدأت الأزمة، وإلى الآن... أم أن الوضع سوف يختلف؟! وما نرجوه ألا يتطلع أحد إلى ما نقوله، على أنه فكرة عبيطة، فهى ليست كذلك، لسببين: أولهما أن السعودية كانت قد استعانت بخبير اقتصادى باكستانى فى البنك الدولى، محافظاً لبنكها المركزى، لما يقرب من عشرين عاماً، وثانيهما أننا كثيراً ما نلجأ إلى أطباء فى الخارج، لعلاج مرضانا من أوجاع يحار فيها أطباؤنا، وكثيراً ما يقال إن طبيباً أجنبياً قد وصل إلى البلاد، وإنه موجود فى المستشفى الفلانى، وإنه مستعد لاستقبال المرضى فى تخصصه، أو أن ينتقل المريض المصرى، إلى طبيبه الأجنبى خارج البلد. وإذا كان الدكتور العقدة، هو طبيب الاقتصاد المصرى، هذه الأيام، فإن كثيرين مختلفون معه فى الطريقة التى يتعاطى بها مع أعراض المرض، وهناك خلاف كبير، ولكنه صامت، بينه وبين المجموعة الاقتصادية فى الحكومة التى ترى، من وجهة نظرها، أن إصراره على عدم خفض الفائدة على الجنيه، أمر لا يشجع، ولا يغرى، ولا يحرض على الاستثمار! وليس الهدف من افتراض وجود «برنانكى» على رأس البنك المركزى المصرى، استفزاز الدكتور العقدة، أو تحفيزه على الكلام عن مبررات رفضه... ولكن الهدف أن تسرع الحكومة بدراسة البدائل، فى حالة تصميم العقدة على موقفه، وإذا حدث أن تخيلنا ما سوف يفعله «برنانكى» حين يكون عندنا، ثم نفذناه على الأرض، فسوف يكون هذا بمثابة علاج الاقتصاد «من» الخارج، على وزن علاج الأفراد فى الخارج! وإذا كان «العقدة» يريد أن يتفادى تداعيات معينة، بموقفه، وتريد المجموعة الاقتصادية فى الحكومة، من ناحيتها، أن تتفادى تداعيات مختلفة على اقتصاد البلد، فالخلاف بينهما صحى، غير أن السؤال هو: أى التداعيات أولى بأن نأخذه فى الاعتبار، أولاً، وأيها أولى بالرعاية؟!.. هذا هو السؤال!