مشاهد مختلفة أمامنا، مشاعر متقلبة بداخلنا، لا أعرف ماذا يجب علينا أن نفعل؟ نصفق أم نحزن، نؤيد أم ننتقد.. فهناك تصريحات واجتماعات، وتعقد من حولنا قمم مختلفة الحضور والأهداف والمواقف.. لكنى لم أستطع أن أمنع نفسى من التأمل والتوقف أمام قمة قطر.. فقد بدأت وانتهت لتؤكد للجميع نجاح مخطط إيران فى التمدد والسيطرة والتحكم فى جانب كبير من الوطن العربى. استطاعت بالفعل فرض الذات على حساب شق الصف العربى ونزيف الدم الفلسطينى.. فهذه القمة لم تقدم لنا سوى مجموعة من الأبطال لا يجمع بينهم سوى الإعاقة السياسية، ولا يتميز البعض فى الحضور سوى بالأبواق الحنجورية.. والدليل إذا نظرت سريعاً إلى أهم الحاضرين تجد من بينهم من هو مطلوب فى محاكمة دولية، ومن هو ملطخة يداه بالدماء، ومنهم من هو متورط باغتيالات سياسية، ومنهم من جاء إلى الحكم على أسنة الرماح. أما الدولة المستضيفة هذه القمة فهى الدولة أو القرية الذكية التى لا تحمل سطراً فى التاريخ ولا تحمل مساحة فى الجغرافيا ولكن تحمل طموحاً كبيراً بحجم حاكمها.. لذلك بالفعل يجب أن نحترمها.. حتى لو اعتقد البعض أنهم ليسوا بزعماء قدر ما هم أصحاب عاهات سياسية.. فقد تحقق على أرض الواقع الهدف من وراء هذا الإصرار على عقد قمة لم يكتمل نصابها، فالهدف المطلوب هو ترسيخ سلطة غزة ل «خالد مشعل» وشركائه، وتتويج المخطط الإيرانى الذى حقق بصمة فى المنطقة من خلال حلفائه المنتشرين والمؤثرين فى كل الدول التى حضرت ولم تستطع التأخر أو الإفلات من الدعوة.. ربما كان البعض نواياه صادقة فى المشاركة أو مغلوباً على أمره، ولكن منهم أيضاً من جاء إلى قطر ناقماً حاقداً يبحث عن الانتقام، حتى لو كان على حساب زيادة عدد الضحايا والشهداء فى غزة. فنجد تصريحات بعض الزعماء شديدة الشراسة فى الكلام وشديدة الضعف فى الأفعال.. فمثلاً لم يتمخض رئيس إيران الهمام «أحمدى نجاد» سوى عن الاستغراب والانتقاد بقوله: «كيف أن 22 دولة عربية تتفرج على شرذمة من الفاسدين جاءوا ليسلبوا شعب فلسطين أرضه وحقه؟!» حين سمعت هذا التصريح وجدت نفسى أضحك وأبكى على سخرية القدر، له حق هذا الرجل ولم أجد ما أقوله سوى: البركة فيك فقد ساهمت مؤخراً بالكثير.. فأنت المشاهد الوحيد الذى يظل يهدد ويستعرض بصواريخ تصل إلى عمق إسرائيل ودائماً تشكك فى محرقة إسرائيل «الهولوكوست» والتى تبتز إسرائيل بها مشاعر الغرب.. وأنت لم تقدم حتى الآن سوى كلام وتصرفات تحرق بها دمنا فى الشرق.. وآخر جهودك كانت مهاجمة زعماء مصر والسعودية.. وقذف الحجارة على مقارهم وسفاراتهم فى طهران.. يا حرام.. فحتى المرشد العام خامئنى خرج بفتوى تحذر وتمنع الإيرانيين من الجهاد مع إخوانهم فى غزة، طبعاً خوفاً ورعباً من أن تتذرع إسرائيل بهذا النشاط الإيرانى وتقوم بمهاجمة إيران. فمن حقك أن تظهر موقفاً تحمى به وطنك وعاصمتك طهران، خاصة بعد القتل والدمار الذى تشهده أمامك فى غزة ومن قبل شاهدته بسبب حلفائك فى لبنان.. فهذه صراعات كانت بدعمك، واستغلها مجرم الحرب الأول والعدو الدائم لنا إسرائيل.. ولكن يجب أن تدرك أنه لم ولن يكون من حقك أن تتطاول بلسانك لتستعرض بطولاتك بالكلام، وتظن فى النهاية أنك تستطيع سرقة القرار العربى الأخير عن طريق أسلوب الابتزاز والتمرد لمشاعر الشارع العربى، وإن كنت بالفعل نجحت فى الاستيلاء والهيمنة على جزء من القضية الفلسطينية مثل مجموعة حماس وغيرها، التى تم إغراؤها بالوعود والمال والسلاح، فالنتيجة أن فُتِحَ المجال للجزار الإسرائيلى لذبح شعب فلسطين من جديد وكان الثمن هو استباحة جلوسك بين بعض الحكام العرب لتكتمل بذلك أوراق «الكوتشينة»، التى دأبت على جمعها من العراق ولبنان وفلسطين مع الحفاظ على مصادرة قرار النظام السورى بكل حرفية وإتقان. فقد قدم لنا بشار صورة أخرى ليكتمل بها الطرف السينمائى للمشهد، والعبث السياسى للاجتماع، فقد خرج علينا ليقول: «إن الإسرائيليين لا يعيدون الحقوق لأصحابها إلا إذا أجبروا على ذلك»، وهذا بالفعل كان واضحاً فى استعادة مصر لأرضها فكيف أجبرتهم أنت على استعادة الجولان التى مازالت محتلة منذ 40 عاماً، وتعتبر اتفاقية وقف إطلاق النار فى الجولان من أنجح الاتفاقيات بشهادة العالم والتاريخ، فلم تخترق حتى بطائرة ورق أو مدفع رشاش للأطفال.. وقد أضفت لنا فى الاجتماع حكمة أخرى «أن السلام دون مقاومة يؤدى إلى الاستسلام» فلا أفهم من هو الذى أدمن الاستسلام؟ ولبنان أو غزة أو الجولان.. فمنذ العدوان السافر على غزة لا نجد سوى الهجوم منك ومن حلفائك.. الحقيقة أيها القارئ العزيز أن عدوان غزة أظهر حقائق على الأرض يجب على مصر معالجتها بعد هذا العدوان فقد دق ناقوس الخطر أمام العرب وأكد أن الانكفاء قليلاً من الكبار يتخذ سريعاً مساحة وذريعة للمزايدة من الصغار.. ولكنى متأكدة أن مصر مازالت كفيلة بردع هؤلاء الأقزام الذين تمادوا فى عملية الختان للتضامن العربى وقلة الأدب للاستقطاب والحلم بقدرة التحرك الدولى، ولكن قمتى شرم الشيخ والكويت وما خفى بعدهما سيجعل البعض يقول ياريت ما تماديت! [email protected]