مثلما انتهت مباراة الأهلى والإسماعيلى فى الأسبوع الماضى، بالمواجهة المخجلة بين جماهير الناديين، انتهى الأمر بيننا نحن العرب بمواجهة لا تقل إثارة للخجل عما شهدته تلك المباراة، وذلك فى الوقت الذى مضت إسرائيل فى مخططها الوحشى تحقق كل يوم فى غزة تدميراً جديداً «رائعاً» على حد قول المتحدث العسكرى الإسرائيلى وتصيب أمل الجماهير العربية فى العمل العربى المشترك بتدمير «أروع»!! وعلى الجانب الآخر من جماهير الكرة، ومن الحكومات العربية، وجدنا الرأى العام العالمى يثور فى كل مكان على تلك المجزرة الدامية التى تقودها إسرائيل الآن ضد الفلسطينيين المدنيين العزل فى غزة من أطفال ونساء وشيوخ، والتى تعرض التليفزيونات العالمية كل يوم فظائعها على العالم، فخرجت الناس إلى المظاهرات، وحملت الصحف عناوين تحمل أشد الانتقادات لإسرائيل، لكن العرب لم يأتوا إلى كلمة سواء. ومما يثير السخرية أن مباراة الأهلى والإسماعيلى بدأت بمشهد بديع يعبر عن التضامن مع الفلسطينيين فى محنتهم، حيث نزل كل اللاعبين إلى الملعب مرتدين قميصاً موحداً يحمل عبارة أبوتريكة التى تقول: «غزة فى قلوبنا»، لكن ما إن توالت أحداث المباراة حتى تحولت هتافات الجماهير المؤيدة لفلسطين إلى شتائم وسباب من ناد إلى آخر، وهو سباب لا يقل بذاءة عما ملأ الصحف والقنوات الفضائية العربية منذ بداية مجزرة غزة، فمثلما نسيت جماهير الكرة التضامن مع فلسطين وبدأت تهاجم بعضها البعض نسيت أيضاً الدول العربية الدماء السائلة فى غزة، وأطلقت أبواقها الإعلامية لمهاجمة الدول الأخرى، وكانت تلك هى وسيلة العرب المثلى فى الخروج من مأزق الشلل الكامل الذى أصابنا، حيث أخذ من لا يستطيع أن يتحرك فى مواجهة إسرائيل، يتحرك فى مواجهة بقية الأطراف العربية متهماً إياها بالعجز عن مجابهة إسرائيل، ومحاولة وقف تلك المجزرة التى خططت لها الحكومة الإسرائيلية لتأتى فى وقت تصورت أن العالم منشغل بالأزمة الاقتصادية العالمية، ثم بأعياد الميلاد، فتغاضت عن تعاليمها الدينية وبدأت هجومها الوحشى فى أحد أيام السبت الحُرُم، وواصلته بلا تدخل عربى من سبت إلى سبت، وهى ماضية الآن إلى سبت جديد تستنفد فيه المزيد من قطرات الدم الفلسطينى الدافئ وآخر قطرات الدم الأمريكى البارد لإدارة الرئيس بوش الذى جلس يتفرج على إسرائيل تمارس حقها فى الدفاع عن نفسها دون أن يتحرك إلا لنسف قرار وقف إطلاق النار الذى كاد مجلس الأمن يصدره فى الأسبوع الماضى لولا «الفيتو» الأمريكى. لقد تصادف مع بداية تلك العملية الوحشية فى غزة أن انقلبت فرنسا رأساً على عقب لأن مريضاً فى إحدى سيارات الإسعاف تأخر المستشفى فى استقباله فلفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة، ووجدت وزيرة الصحة الفرنسية نفسها مضطرة للتحرك السريع أمام غضبة الرأى العام ضد ما بدا أنه إهمال وليس اعتداءً وحشياً أودى بحياة مواطن واحد وليس 700 قتيل و3000 جريح فأجرت على الفور تحقيقاً فى الموضوع وخرجت بنفسها على شاشات التليفزيون تعلن فى اليوم التالى مباشرة نتيجة التحقيق أمام الرأى العام. وما بين وفاة المريض الفرنسى، وخروج وزيرة الصحة إلى الجماهير فى اليوم التالى بنتيجة تحرك وزارتها، كان عشرات الأطفال قد سقطوا فى غزة دون أن يجدوا سيارة إسعاف، بل دون أن يجدوا مبنى يمكن أن يطلق عليه اسم مستشفى بالمعنى المفهوم، بينما نحن منشغلون بمهاجمة بعضنا البعض، فالسلطة الفلسطينية تتهم حماس، وحماس تتهم مصر، ومصر تتهم حسن نصرالله، وحسن نصرالله يتهم السعودية، والسعودية تتهم سوريا، والجميع يدورون فى حلقة مفرغة، يغنون كالأطفال عن الحصان الذى فى الخزانة، والخزانة عايزة سلم، والسلم عند النجار والنجار عايز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عايز بيضة، والبيضة..، وذهبنا جميعاً جماهير كرة وحكومات عربية إلى حيث توجد البيضة!!.