فى قديم الزمان روى فيلسوف شعبى يدعى إيسوب حكاية عن رجل جمع أولاده، وهو يشارف الموت، وطلب منهم إحضار «حزمة» من الحطب، وخاطب كلا منهم ليحاول - منفردًا - تحطيم الحزمة، وكان الفشل نصيب كل ابن من أبنائه.. وهنا أشار الرجل عليهم بتفكيك الحزمة، ومحاولة كسر أعواد الحطب واحدًا بعد آخر، وبعدها أوضح الرجل لأبنائه أنه كان يهدف لإيصال نصيحته لهم بألا يتفرقوا حتى لا يستفرد بهم الأعداء أو الخصوم، وأن يثقوا - كما أثبت لهم عمليًا - أن أعواد الحطب استعصت على الكسر عندما كانت حزمة واحدة.. وباختصار أن القوة فى الوحدة! هذا الدرس البليغ أفاد كل من طبقه، بينما كانت الخسارة والخيبة لمن استهزأ به أو تهاون فى فهم مغزاه وتطبيقه.. وقد تحقق العرب من فوائد الوحدة فى مراحل قليلة وخاطفة فى تاريخهم، أقربها إلى الذاكرة حرب أكتوبر المجيدة، وهو ما يجعلنى أعتقد يقينا أن جميع من يريدون شرًا بالأمة العربية قد تنبهوا إلى خطورة توحد العرب، ومن ثم عبثت أياديهم ووضعوا الخطط واستعانوا بلاعبين وطنيين لتنفيذ عملية شرذمة، تتجلى أمامنا الآن فى عدة أقطار عربية، وكان متصورًا أنها لن تصل إلى فلسطين، إنما يبدو أن ما جرى فى فلسطين، وفى قطاع غزة تحديدًا، كان مدبرًا بعناية، لأن ضياع القضية الفلسطينية هو بداية النهاية لأمة العرب وصعود نجم إسرائيل إلى حيث يستحيل تحديد مداه. وقد كان انقلاب حماس فى غزة وشطر الوطن المحتل من أخطر تداعيات الشرذمة والانقسامات العربية، ولنقف أمام ما يجرى فى غزة الآن.. إسرائيل تعربد وتعيث قتلا وتدميرا، وهو ما يدفع ببعض «المناضلين» إلى إلقاء اللوم على الأنظمة العربية - التى عليها مآخذ كثيرة - واتهامها بالخيانة أو التخاذل أو غير ذلك مما يعمر به قاموسنا، ولكن لا شك أن هناك مواطنين عربًا ومؤمنين بعروبتهم مثلى لا يفهمون ما يقصده هؤلاء.. إن إسرائيل دولة معتدية ومغتصبة وصاحبة أبشع المجازر وهذا معروف للقاصى والدانى.. لكن أن يطالب «المناضلون» بأن تسير كل الأنظمة والشعوب العربية خلف حركة حماس وخياراتها وتوقيتاتها فهذا ما لا يجوز.. لقد قسمت حماس الشعب الفلسطينى وأيضًا الشعب العربى، ولا يحق لأى جهة فرض رؤيتها وخياراتها على الناس، خاصة أن حماس تتصرف الآن بصفتها دولة وليس بصفتها «مقاومة»، حيث إن المقاومة كانت قبل السلطة، وعندما بذلت مصر جهودًا دبلوماسية وسياسية لرأب الصدع الفلسطينى، كانت تصريحات قادة حماس شديدة الغرابة مثل «لن نقبل استئناف الحوار إلا بشروطنا» بحيث يخيل إليك أن حماس دولة كبرى بوسعها التصدى لقوة إسرائيل الغاشمة.. تصدى دولة لدولة.. فانتفاضة الحجارة المجيدة شارك فيها كل أبناء الشعب الفلسطينى من أعجز شيخ إلى أصغر طفل، وهذا أمر يختلف تمامًا عن «حكومة» ورئيس وزراء ووزراء إلخ.. وقد كنت شخصيًا ضد تصرف الرئيس الراحل أنور السادات فى زيارته القدس، والصلح المنفرد مع إسرائيل، واستغربت ومازلت أستغرب أن «يلوم» البعض العرب الذين لن يسيروا خلف السادات، وكأنه يمثل كل الشعوب العربية - وهذا ليس من الديمقراطية فى شىء وهو ما يفعله الآن - والقياس مع الفارق، حيث إن مصر هى أكبر دولة عربية، وقدمت للقضية الفلسطينية من الشهداء والتضحيات ما لا يقارن بأى طرف عربى آخر.. إسماعيل هنية وحركته اللذان حققا لإسرائيل واحدة من أغلى أمانيها الشريرة بوهم أن الشارع العربى سيتبعهما وكذلك الأنظمة العربية دون قيد أو شرط ودون حسابات كان يجدر بحماس أن تقدرها! وإذا كانت الوحدة ضرورة لكى نخرج من النفق المظلم فهى فى فلسطين ضرورة ملحة لا خلاص بدونها.