لطالبة الزواج استمارة بيانات اسم عائلة الأب والجد والأم، وجذور النسب أو الدم (عربية أم تركية أم شركسية)، تقرير طبيب المكتب، والقامة والوزن والعيوب الخفية، والملابس التي ترتديها، وهل تخيط ملابسها بنفسها، وعدد الخدم الذي تحتاج إليه، أو ما إذا كانت تجيد القيام بأعباء المنزل بنفسها، والأغرب أقل مبلغ تقدره هي كإيراد شهري له! وبنفس الشروط والطلبات تقريبا تعبأ استمارة طالب الزواج مع بعض الإضافات "المرحة"، منها المقهي الذي يأويه عادة، وألعابه التي يقضي بها أوقات فراغه (الميسر أم الطاولة أم الكوتشينة). هذه بعض من طرائف الكتاب الأول بالعربية في بحثه وأسلوبه واستقصائه، وفق شهادة صاحبه المجهول، الكتاب القديم ربما صدر قبل الثورة، وقع "الملخص" علي الجزء الأول منه بعنوان "أحاديث الزواج في مصر"، بإمضاء مؤلف مجهول عرّف نفسه علي الغلاف ب"رسول الزواج"، أما مضمونه مشاهدات ونصائح ووصايا "الخاطبة الرجالي" هذا الذي يصاحبه في رحلاته في قري وريف ومدن مصر، ثري أعزب يدعي "السيد عزيز"، أو "الفيلسوف" كما يناديه، وهو المؤمن بأن اختيار المرأة للزواج كاختيار خوض الحرب، تكفي فيها غلطة واحدة لجر الويل والخراب إلي الأبد. في تجوالهما طوال صفحات الكتاب ال216 عبر رحلة رمزية، مليئة بالرسائل والمعاني والآراء والمغامرات الطريفة، ومحاولات رسول الزواج تغيير أفكار صديقه الفيلسوف المعادية للزواج، باعتباره ضربا من المجازفة، وللمرأة بوصفها معمل أسلحة للشيطان. يستخدم صاحب هذا الكتاب أسلوب الحكاية أو الرواية، فيما يشبه التكنيك الذي صاغ به محفوظ "رحلة ابن فطومة" مثلا مع الاختلاف، فالوصايا والحكم والدروس والعبر، تأتي هكذا بغتة، متوارية، في ثنايا الحوار الذي يدور بين الشخصيتين المحوريتين لهذا الكتاب، ثم هو - أي أسلوب المؤلف - يشبه إلي حد بعيد أسلوب الداعية "الروش"، فلا صرامة في الآداء، لا سيل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فحسب، بل متجه أكثر نحو "النعومة" التي يفرضها الحديث عن الاجتماعيات والإنسانيات، بحجة مخاطبة القلب لا العقل. الكتاب ممتع وفريد ومضحك ومثير، ومهم علي أية حال، لأنه يعرض فترة من تاريخ مصر، وكيف كان يفكر ممثلو الشرائح الاجتماعية المصرية في ذلك الوقت في مسألة الزواج، التي هي كما يؤكد "الخاطبة" مسألة حظوظ وبخت ونصيب، أما عزيز الفيلسوف المخترع هذا، فهو يعد رسالة أكاديمية عن فلسفة الزواج، ولهذا التقت أفكار الرجلين، أو قل مهنتهما، خاطبة رجالي والأكاديمي فيلسوف الزواج لكن أمرا آخر يجمعها وهو الذكريات الأليمة عن زواج انقضي. ومع ما في هذه الحكاية من طرائف ونوادر ومفارقات، إلا أنها تسجيل دقيق للحياة المصرية في ذلك الوقت، ودلالة عما كان سائد في تلك الفترة، قبل وأثناء وبعد ثورة 1952، عن الزواج. يري رسول الزواج أن الجمال ضرب من الجنون والشعر، وأن الحب عاطفة كريهة، والمرأة شر ضروري زادتها المدنية شرا، بينما يلجأ فيلسوف الزواج أو "دكتور الزواج" في بحثه عن عينة رسالته للإعلان في الصحف، من النوعين: الفتيات والشبان طالبا منهم مقابلته والبوح برغباتهم وآمالهم في الزواج، ودعا كذلك المجربين والمجربات لتسجيل تجاربهم واعترافاتهم، ومن هذا الإعلان جاءت أحاديث الزواج في مصر وجاء هذا الكتاب النادر، ومن نتائج بحث السيد عزيز، أن إجادة الرقص كانت أحد أسباب زواج أحدهم، فيما ظل الجمال والمال في المقام الأول لطلبات الزوج بلا منازع. حكايات من المحاكم الشرعية في ذلك الوقت، يختم بها المؤلف، "أسماء" عضو جمعية "مقاومة العزوبة"، التي تنكرت في زي شاب يبحث عن زوجة رغبة في تقرير حق المرأة، و"لبيب مختار" الضابط ببوليس الآداب الذي عمل سمسار زواج، وكان عضوا في جمعية "نصراء الفضيلة"، وتنكر في زي فتاة يضرب بها المثل في الفضيلة، وأخيرا وصية رسول الزواج إلي النواب، ويسخر منها في نفس الوقت، بفرض ضريبة علي العزاب إذا بلغوا سنا تمنع الإنجاب!.