والله العظيم تلاتة باحاول أكون متفائلة بكل قوتى لكن فيه ناس فى البلد دى مستقصدانى فعلاً.. من كام يوم كنت فى حالة نادرة من التفاؤل لا أعلم سببها على وجه التحديد.. ربما تكون بسبب عدم قراءة الصحف لعدة أيام وبالتالى عدم تناول الجرعة اليومية من الأخبار المهببة، وربما ما أشعرنى بالتفاؤل أننى خرجت من المنزل وكانت الشوارع هادية ومعقولة ولطيفة.. لذلك انشرحت وتفاءلت وفى طريق العودة لفت نظرى مبنى بعيد عال جداً تكسوه أنوار ملعلعة إيشى «فوشيا» وإيشى «أخضر» وإيشى «برتقالى» وإيشى «فسفورى» عمالة تنور وتطفى وتتحرك من أعلى إلى أسفل ومن الشمال لليمين، تخيلت أنه إعلان ضخم عن مدينة ملاه جديدة أو ربما كباريه جديد.. أو يمكن إعلان مهرجان التسوق ولا مهرجان السوبر ماركت، وعندما دققت فى المكان والموقع وأخذت أسأل وأتأكد، عرفت أن «فرح العمدة» الذى يتلألأ فى سماء القاهرة هو «برج القاهرة» تصوروا؟! نفسى أعرف من المسؤول عن هذا التخريب؟! وكيف يفرض علينا ذوقه المتدنى هذا؟ ومن أعطاه حق تعذيبنا بهذه الألوان المتنافرة المتراقصة وسمح له بأن يغطى بها برج القاهرة، الذى قارب الخمسين عاماً؟ والأهم ما هو الهدف؟ تجديد ولا تطوير ولا تحديث ولا إصلاح ولا عولمة ولا بواخة؟ وكم تكلف؟ وعلى حساب مين؟ وأين جهاز التنسيق الحضارى والتجميل والمحافظة على التراث وباقى أجهزة رفع الضغط وما أكثرها فى المحروسة المأسوف على شبابها وعمرها وتاريخها ومعمارها وجمالها.. قضيت الليلة وأنا عمالة أقول جاتنا نيلة فى حظنا الهباب ربنا على المفترى.. وفى صباح اليوم التالى قررت أقرأ الجرائد واللى يحصل يحصل.. لقيت واحد مسؤول ما أعرفوش ومش فاكرة اسمه ومعاه المحافظ يتحدثان عن الخطة المهولة طويلة المدى لتطوير القاهرة وتحويلها إلى حاجة آخر ألاجة.. إيه بقي؟ قال السيد اللى مش فاكرة اسمه إنه ينوى إزالة منطقة المقابر المطلة على صلاح سالم وهى مقابر الغفير والوزير، وإقامة مكانها مشاريع استثمارية حضارية وأنه يبشر المصريين بأن القاهرة سوف تمتلئ بالأبراج العالية وناطحات السحاب وستكون قطعة من أمريكا!! حصل لى فزغ وخضة وازدياد فى ضربات القلب.. وألقيت بالجريدة بعيداً خوفاً منها ومن كلمات هذا الرجل الذى لا أريد أن أعرف اسمه.. وأخذت أتساءل: هو مصري؟ متربى فى مصر؟ يمكن خواجة مولود فى أمريكاً مثلاً.. لأ.. لأ.. هو أكيد مولود فى «دبى» ونشأ وترعرع فى صحرائها وتشبع بذوقها وثقافتها وأسلوب تشييدها وناطحات سحابها لذلك فهو معذور ولا يرى فيها كائناً مشوهاً لا ينتمى لمكانه وزمانه وأهله ورماله الصفراء، ولا يمكن أيضاً أن ينتمى لأمريكا، لذلك من الطبيعى أن يكون جاهلاً بالمنطقة التى يتحدث عنها ولا يعرف أنها منطقة أثرية، وأن المقابر التى يتحدث عنها مقابر أثرية وأن هذا الطريق الذى يطل يساراً على صحراء المماليك بكل آثارها ويميناً على قاهرة المعز والأزهر العريق ثم القلعة بكل تاريخها لا يصلح للعبث والاستثمار ولا حتى من باب الأحاديث الصحفية وأن المحروسة وأهلها وتاريخها وآثارها وتراثها لا تطمع مطلقاً فى أن تكون قطعة من أمريكا.. حسبى الله ونعم الوكيل.