عادت الغالبية العظمى من الحجاج إلى بلادهم.. حج مبرور وذنب مغفور بإذن الله، لكننى أتساءل: هل هى مجرد نهاية رحلة إلى الأراضى المقدسة أم بداية حياة جديدة؟ أخشى ما أخشاه أن ينطبق على البعض من هؤلاء القول المأثور: «ريما عادت إلى عادتها القديمة» فلا يحدث أى تغير فى حياته، ولا يكون هناك تحسن ملحوظ فى سلوكه، ويصبح أداء الفريضة مجرد ذكرى جميلة، لكن دون أى تأثير حقيقى على حضرة الحاج. وقد يسألنى الواحد منهم: وماذا تريد منى؟ وهل المطلوب أن أعمل على إصلاح الكون؟ الإجابة نعم!! وأراى أن الدهشة قد طرأت على وجه حضرتك وأنت تسألنى: طيب إزاى؟ وهل هو «سوبرمان» حتى يفعل ذلك؟ والإجابة عن سؤالك «بالصينى» وتقول حكمة مشهورة فى بلاد الصين: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فلماذا لا تكون أنت تلك الخطوة فتصلح نفسك وتسعد الآخرين؟ ونبى الإسلام - عليه الصلاة والسلام - يقول الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وهذا التعريف ينطبق تماماً، كذلك على الحب، وصدق من قال إنه عطاء. وإذا أراد الحاج أو أى إنسان آخر صاحب أخلاق إصلاح الكون فسلاحه فى ذلك هو الحب أو العطاء! وقبل أن تتهمنى بأننى صاحب كلام نظرى وخيالى، فإننى أشرح لك ما أعنيه، حتى يتأكد لك أن هذا الحب إذا لم يكن واقعياً وله تأثيره على الأرض فلا قيمة له! وفى البداية أؤكد لك أننى أتحدث هنا عن العاطفة الشاملة، وليس فقط عن العلاقة بين روميو وجولييت أو قيس وليلى! وأقول لك إذا كنت تحب ربنا فلا يكفى مجرد شعورك النبيل، بل لابد من واقع محدد يؤكد ذلك، فيعرف عنك أنك إنسان متدين تخاف من رب السموات والأرض ولكن دون مظاهر! ولا يكفى أن تقول إن بينى وبين ربنا علاقة خاصة، بينما سلوكك فى واد آخر وفيه الكثير مما يغضب خالقك! وفى يقينى أن حب الله هو الأساس الصحيح الذى يقوم عليه حبك للبشر والدنيا كلها، فإذا كنت حضرتك بتحب ربنا بحق وحقيقى فستحرص على حسن معاملة أهلك أقرب الناس إليك وعلى رأسهم والدك وشريكة عمرك، ولا قيمة للحج إذا أصر الحاج بعد عودته على سوء معاملة زوجته مع ضربها وقت اللزوم!! وهل يمكن لإنسان أن يحب ربنا وأخلاقه سيئة، وشعاره فى الدنيا: أنا وبعدى الطوفان! فلا يفكر إلا فى مصلحته الشخصية فقط! والدنيا عنده صفقة تجارية والشاطر من يكسب فيها ولو على حساب الآخرين! ولذلك أتعجب جداً من هؤلاء الذين يطالبون بفصل الدين عن الدنيا والحياة كلها! وعبادة ربنا عندهم فى الجامع أو الكنيسة فقط! أو الدين للديان بتعبيرهم!! فلا يجوز أن يختلط بتعاملات الأرض وهنا تصبح الدنيا غابة كبيرة يأكل القوى فيها الضعيف وتكون هناك مشكلة حقيقية فى الأخلاق وأراها أخطر أزمة على بلادى! وأنت تلحظها بسهولة فى حياتك وشاهد عليها فى تعاملاتك! والخطوة الأولى للإصلاح تبدأ من عند حضرتك، عندما تكون وثيق الصلة بالله، وتعمل على إرضائه فى كل تصرفاتك.