«الخلاص الأخير»: كانتونا بين كرة القدم وهوليوود

فى أيامه كلاعب كرة قدم، تحول إريك كانتونا إلى وحش حقيقى يخشاه الجميع بسبب شخصيته الاندفاعية أكثر مما يخشون أهدافه ومهاراته.
وبعد نحو 12 عاماً من اعتزاله اللعب، يشغل الفرنسى «43 عاماً» العناوين الرئيسية للصحف بسبب اتجاهاته الفنية، بعد أن تحول إلى ممثل يحظى بالاحترام.
فى آحدث أفلامه «لوكينج فور إريك» (البحث عن إريك) للمخرج الشهير كين لوش الذى سيعرض قريباً فى دور السينما العالمية، أطلق كانتونا إشارة مشواره الدولى، فى الوقت الذى بدأ فيه زملاء المهنة ووسائل الإعلام فى إغداق المديح عليه.
ومع ذلك، يحلم قليلاً نجم هوليوود الذى لا يزال فى «مرحلة الصنع»، بالفوز بجائزة أوسكار، لكن ما يحلم به كثيراً هو العودة إلى عالم كرة المحترفين، وتحديداً من أجل تدريب فريقه القديم مانشستر يونايتد الإنجليزى.
ويؤكد الرجل الذى لا يزال مرتبطا بكرة القدم كمشجع كبير ومدرب لمنتخب بلاده للكرة الشاطئية «لا أعرف كم من السنوات سأحتاج لتحويل هذا الأمر إلى واقع، لكن اسمى مكتوب بالفعل على مقعد تدريب مانشستر يونايتد. فإما هناك وإما فلا».
ويعترف كانتونا أن أقصى أحلامه قد يصل أيضا إلى تولى تدريب المنتخب الإنجليزى. فمن الواضح أنه يعشق إنجلترا، التى قدمت له عرضاً أنقذه فى وقت كان ينظر إليه فى بلاده على أنه «شخص غير مرغوب فيه»، نظراً لمواقفه الشهيرة مع الحكام والمنافسين والزملاء والموظفين والصحفيين والجميع.
وفى سن السادسة والعشرين فحسب، كان على وشك إنهاء مسيرته مع الكرة نهائياً. بيد أنه تلقى عرضاً من ليدز يونايتد، حيث لعب عدة أشهر، قبل أن ينتقل إلى مانشستر يونايتد لبدء عصر ملحمى مع «الشياطين الحمر».
وفى مانشستر، لا يزال كانتونا معشوقا حتى اليوم. ويحبه الجميع فى هذه المدينة الصناعية الحزينة، بدءاً من العمال الذين لا يميلون عادة إلى الفرنسيين وحتى أهل الطبقة المترفة.
وبين عامى 1992 و1997، تألق كانتونا مع مانشستر يونايتد بأداء لافت، ولكن أيضاً بكاريزما عالية وإصرار كبير.
اختارته جماهير النادى الإنجليزى «لاعب القرن»، وما زال الأطفال الذى يحضرون اليوم المباريات فى استاد «أولد ترافورد» يتغنون باسمه دون أن يروه.
لكل هذا لم يكن غريباً على الإطلاق، أن يختار كانتونا مانشستر يونايتد كى يصور فيه أول أفلامه العالمية، وأن يختاره كين لوش، أحد مشجعى الفريق، لبطولة العمل.
فى فيلم لوش الجديد، الذى حظى بإعجاب النقاد وانتزع ضحكات الجماهير فى مهرجانات كان وبرلين وبلد الوليد السينمائية وغيرها، يمثل كانتونا شخصيته، وإن كان يفعل ذلك فى شكل «روح» ويبدو كما لو كان «شخصا طيبا».
وفى العمل يظهر الفرنسى كما لو كان يقفز من صورة معلقة على الحائط كى يتحول إلى المرشد الروحى لساعى بريد إنجليزى يعانى من أزمة وجودية شديدة. فالفيلم يتطرق إلى الصداقة والأسرة والحب.
ورغم أن الأمر لا يتعلق بفيلم روائى طويل حول كرة القدم، فإنه يقارن أيضا بين الكرة التى تتسم بطابع رأسمالى شديد اليوم ونظيرتها الأكثر رومانسية التى كانت تلعب قبل عدة سنوات، عندما كان المال يلعب دوراً أصغر بكثير.
ويعتبر كانتونا الأمر بمثابة «الخلاص النهائى» وفى الشاشة الكبيرة، فهم فى بلاده يبدو كما لو كانوا قد نسوا الفصول السلبية التى جعلت منه رجلاً بغيضاً.
وجاء عنوان صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية واسعة الانتشار قبل عدة أيام «الملك قد عاد»، بمناسبة بدء ظهور «البحث عن إريك» فى إعلانات السينما.
ولا يقل المديح من جانب زملاء مهنته الجديدة. يقول الممثل الفرنسى دانييل روسو فى شىء من الصواب «إنه لم يتحول إلى فنان، فلطالما كان كذلك».
أما زميله كلير بوروترا فيقول إن «كانتونا يحمل التمثيل فى دمائه».
ويفضل بول لافرتى مؤلف العمل إبراز سمات كانتونا الإنسان «إنه ظريف ومتواضع وحساس». وكان كانتونا واحداً من أفضل اللاعبين فى أيامه، إلا أن شهرته الأكبر اكتسبها جراء ركلته الطائرة على طريقة «الكونغ فو، التى هاجم بها عام 1995 وسط إحدى المباريات مشجعاً للفريق المنافس كان قد بصق عليه وأهانه من المدرجات.
وبسبب هذه الواقعة، تم إيقافه لعدة أشهر وكاد الأمر أن يصل إلى الزج به فى السجن.
لكن «انفجارات» كانتونا لا تبدو شيئاً يخص الماضى وحده، وهو ما بدا جلياً خلال بطولة الأمم الأوروبية للكرة الشاطئية فى مايو الماضى عندما قام مدرب المنتخب الفرنسى بالاعتداء على نظيره السويسرى فى الوجه، فى وسط مشادة بينهما.
لكن الشواهد تشير إلى أن «الطفل المزعج» يتعلم التعقل ويحاول الاستفادة من الشخصية والكاريزما اللتين يتمتع بهما لأهداف إنتاجية.
وقبل نحو أسبوع، وضعت زوجته الثانية الممثلة رشيدة براكنى 32 عاماً طفلهما الأول، الثالث لكانتونا. فللمهاجم السابق المولود فى مرسيليا ابن 22 عاماً وابنة 19 عاماً من زوجته السابقة.
وقد يتم التحقق من القدرات الفنية لكانتونا على أرض الواقع اعتبارا من يناير المقبل على مسرح «تياتر مارينى» فى باريس حيث سيشارك فى عمل بعنوان «فاس أو بارادى»، من بطولة زوجته.
لكن كانتونا فى أعماقه لا يزال يحلم بالكرة. وهو يتمنى أن يتمكن من خلافة المدير الفنى الأسطورة، الأسكتلندى أليكس فيرجسون، فى تدريب مانشستر يونايتد، دون أن يتخلى عن الفن بصورة مطلقة.
وهو يعد «لدى قناعاتى الشخصية، ولذلك فأنا أود القيام بدور مدرب كرة القدم كفنان حقيقى».