لا أذكر أن أحداً من »كباتن الكرة« القدامي فكر بعد اعتزاله اللعب في الاشتغال بالسياسة، كفرصة عمل ثانية. معظم هؤلاء الكباتن حرصوا علي استمرار تفرغهم للكرة المستديرة: كمدربين، وإداريين، ومسئولين عن أندية، وأعضاء في اتحاد الكرة. حقيقة هناك من شارك في بطولة أفلام سينمائية مثل الكابتن صالح سليم، و الكابتن عادل هيكل، ولكن الانخراط في السياسة تحزباً، وترشحاً في الانتخابات لم نسمع عنه إلاّ بمبادرة من »كباتن« آخر زمن! في »بلاد الفرنجة« نجد »الحال من بعضه«. كباتن تركوا الملاعب واحترفوا وظائف تتصل من قريب أو بعيد بمعشوقتهم الكرة المستديرة. الجديد انفرد به اللاعب الفرنسي الشهير:»إريك كانتونا« ِ Eric Cantona الذي اعتزل وهو ملء السمع والبصر، وفاجأنا باحتراف التمثيل السينمائي وظهر في بضعة أفلام لقي أولها إقبالاً من المشاهدين من باب التعرف علي الشخصية الجديدة لبطلهم المحبوب لكن هذا التدفق تراجع كثيراً بعد ذلك. ويبدو أن »كانتونا« سيعيد حساباته ويبحث له عن فرصة ثالثة في مجالات أخري. وبعد البحث والتنقيب.. عثر »كانتونا« علي بغيته أثناء متابعته للمظاهرات الضخمة التي شهدتها فرنسا في الأسابيع الأخيرة الماضية احتجاجاً علي مشروع قانون جديد يرفع سن الإحالة علي المعاش، وهو القانون الذي أصر الرئيس »ساركوزي« علي تطبيقه ونجح في تمريره من المجلسين التشريعيين رغم اعتراض أحزاب المعارضة. فجأة.. عقد »الكابتن كانتونا« مؤتمراً صحفياً كبيراً في نوفمبر الماضي أعلن فيه مبادرة تاريخية باعتبارها الأولي من نوعها في تاريخنا القديم والمعاصر يري فيها الحل الأمثل، والأوحد، لإسقاط الحكومة من خلال العمل علي إنهيار نظامها المالي! أما كيف يمكن تحقيق هذا الانهيار، فالحل لدي كانتونا! ببساطة وسهولة متناهيتين، تحدث »ملك الملاعب« متسائلاً: [هذه المظاهرات الهائلة التي تجوب شوارعنا في هذه الأيام.. ماذا حققت؟ لا شيء. نحن نحتاج إلي ثورة حقيقية]. ولم يكتف »الكابتن المتقاعد« الذي قرر أن يصبح فجأة: سياسياً واقتصادياً لم يسبق له مثيل من قبل أو بعد بالدعوة إلي قيام الثورة، وإنما أضاف قائلاً: [النظام المالي قائم علي قوة البنوك. وبالتالي علينا أن ندمّر هذه القوة. ولتحقيق هذا الدمار يكفي فقط أن يتوجه ملايين المواطنين إلي البنوك ويقوموا بسحب كل أموالهم المودعة لديها لتنهار علي الفور. وأقترح أن يبدأ تدفق ملايين المودعين علي بنوكهم بدءاًً من الصباح المبكر ليوم 7 ديسمبر 2010الذي سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه. إنها ثورة سلمية لا تحتاح أسلحة دمار. ولا تتسبب في نزف دماء وسقوط قتلي وجرحي]. انتهي »كابتن كانتونا« من طرح اقتراحه الفريد من نوعه بين دهشة وتعجب كل من سمعه وشاهده بالصوت والصورة. المذهل أن الدعوة سرعان ما تلقفتها شبكة النت العنكبوتية، وظهرت مواقع مخصصة لتلقي توقيعات المؤيدين لها، والملتزمين بالتوجه صباح الثلاثاء 7 ديسمبر أي اليوم إلي الوقوف في طوابير أمام أبواب البنوك الفرنسية لسحب أموالهم منها وإغلاق حساباتهم لديها. أكدت وكالات الأنباء أن عدد التوقيعات بلغ نحو50 ألف توقيع، ويزداد الرقم لحظة بعد أخري. هناك من يسخر من اقتراح »كانتونا«، وهناك أيضاً من ينتظر قيام أعداد رمزية من المودعين بسحب أرصدتهم، التي لن تؤثر علي البنوك ولن تؤدي إلي انهيارها وإعلان إفلاسها. لكن الغريب أن وزيرة المالية الفرنسية: »كريستين لاجارد« Christine Lagarde لم تتعامل مع »ثورة كانتونا« بمثل هذه البساطة. فقد أكدت وسائل الإعلام أن اقتراح اللاعب المعتزل »كانتونا« أثار استياء وزيرة المالية، وعلقت عليه بتصريحات حادة تناقلتها وكالات الأنباء التي تتابع تطورات التحريض علي إحداث »ثورة« في السابع من ديسمبر الحالي. بدأت الوزيرة تعليقها بلفت نظر اللاعب المتقاعد إلي أن »لكل منّا مهنة يمارسها في الحياة. هناك من يلعب كرة القدم بمهارة، وهو ما يستبعد أن أقوم به. وبالتالي أظن أن علي لاعب كرة قديم، وممثل كبير أيضاً، ألاّ يتدخل في المجال المالي خاصة حين لا يكون متحكماً بآلياته«. موقع القناة الفرنسية »24ساعة« وصف حدة تصريحات الوزيرة بأنها: »البطاقة الحمراء التي أشهرتها في وجه لاعب الكرة السابق«. الطريف أن الكابتن المتقاعد، الذي نصب نفسه خبيراً مالياً متفرداً، لم يهتم بمن يسخرون من اقتراحه، وإنما أكد أنه سيذهب في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء اليوم إلي المصرف لسحب أمواله وإغلاق حسابه.