كنت فى صحبة العالم الكبير الدكتور أحمد زويل فى إسبانيا، جلست إلى جوار السفير ياسر مراد، بينما كان الدكتور زويل يلقى المحاضرة الأهم داخل الأكاديمية الملكية الإسبانية. تحدث الدكتور زويل على مدى ساعة كاملة وكان حديثه ما بين العرض النظرى المبهر والعرض التوضيحى الأكثر إبهاراً، عرض الدكتور زويل المنطقة العلمية التى يقف فيها الآن، والأهداف العلمية التى يمضى إليها.. لم أفهم كلمة واحدة مما قال، ولم أتمكن حتى من الفهم الخطأ أو الإدراك غير السليم.. ذلك أن المسافة كانت شاسعة بين كل ما قرأت وسمعت ورأيت وبين ما يعرض العالم الكبير.. وقد أهدانى دهائى إلى الاستسلام لراحة اليأس وتأمل رسوم الجدران ونقوش السقف فى ذلك المكان العريق. انتهى د. زويل من المحاضرة التى أحاطها الصمت المطبق كأنه يتحدث فى الفراغ.. ثم أعلن رئيس الأكاديمية الإسبانية فتح باب الحوار للسادة الحضور، وفيما عدا شخصى المتواضع كان السادة الحضور جميعاً من كبار علماء أوروبا، حيث وجهت الأكاديمية الدعوة لكبار علماء إسبانيا ولقادة العلم فى الجامعات ومراكز البحث الأوروبية، وقد ظننت حين فتح الرئيس الحوار أن جدلاً كبيراً سوف يثور بين المحاضر والحضور، وأن الدكتور زويل سوف يستمع بدوره إلى مداخلات علمية ضافية. وكانت دهشتى لا حدود لها، وهى أيضاً الدهشة ذاتها التى وجدتها على وجه رئيس الأكاديمية.. لا سؤال، فبقى الرجل قليلاً يكرر طلبه بقبول الأسئلة والمداخلات.. ومرة أخرى يكمل الصمت مسيرته.. لا سائل ولا سؤال.. ليس غير الصمت. فاضطر الرئيس للحديث عن حياة الدكتور زويل ونشأته فى مصر وعن مشروعه العلمى الذى يريد إنجازه فى أمريكا، ومشروعه الوطنى الذى يريد إنجازه فى مصر.. وهكذا مضى الحديث عن الدكتور زويل مكاناً ومكانة حتى أعاد طلبه بقبول الأسئلة والمداخلات.. وأخيراً كان هناك من العلماء من يرفع يده طالباً الكلمة.. وهنا كانت دهشتى الممتدة.. حيث وقف كبار علماء أوروبا واحداً تلو الآخر.. كلهم يسألون على وتيرة واحدة: دكتور زويل: هل يمكن أن تشرح لنا؟.. دكتور زويل: هل يمكن أن تفسر لنا؟.. دكتور زويل: هل يمكن أن تبسّط لنا؟.. د. زويل: هل يمكن أن تعيد لنا؟ ليس ثمة جدل إذن، ولا ثمة مداخلات تحمل إضافات، ولا ثمة جديد مفيد يمكن أن يقدمه علماء أوروبا إلى ما سمعوا ورأوا. لقد رأيت فخراً لا حدود له فى عين سفيرنا ياسر مراد وعيون سفرائنا العرب، ولما كان حفل العشاء، جلست قريباً من المستشار العلمى للملك خوان كارلوس، الذى كان يسأل الدكتور زويل من جديد عن تلك المنطقة العلمية المذهلة التى تشمل علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء والطب.. فيما أصبح يسمى علم المعقدات، وعن تلك المحاضرة المهيبة التى تقع ضمن المستويات الأعلى فى علم المعقدات. ■ أتذكر ذلك المشهد الآن، بعد أن التقيت عالمنا الكبير الدكتور محمد غنيم فى المنصورة لأجل برنامج «الطبعة الأولى»، فأثار الدكتور غنيم كل مكامن الغضب الوطنى على ما انتهى إليه مشروع الدكتور زويل فى مصر.. لا شىء!