كثيرا ما يقدم شباب القدس من الفلسطينيين العرب صورا مشرفة لا حصر لها للصمود والمقاومة، منها ما يجرى يوميا من عمليات اعتقال واسعة وحملات إسرائيلية تستهدف الأحياء العربية والبلدات القريبة، يزجون خلالها مجموعات كبيرة من الشباب المقدسى فى سجون الاحتلال، مثل تلك التى حدثت بعد أحداث الأقصى الأخيرة، لمجرد أنهم شاركوا فى مظاهرات مضادة لإسرائيل. غير أنه مقابل هذه الصورة المشرقة، تبرز نسبة انتشار الآفات الاجتماعية فى أوساط الشباب المقدسى بما فى ذلك المخدرات. هذا التناقض هو عنوان وواقع الشباب المقدسى، الذى يدفعه انتماؤه الوطنى والعقائدى مع قضيته إلى اتجاه، وتحديات الاحتلال إلى جهة أخرى، فى سبيل خلق جيل «فاشل ولا مبال» بالأرض والانتماء. حول هذه المعضلة، يقول حسنى شاهين، الباحث والمختص بشؤون الشباب فى القدس إن «الشباب المقدسى كبقية الشباب الفلسطينى فى أنحاء الوطن يقوم بدور مهم من خلال تشكيل اتحادات الطلبة والمشاركة بالنوادى والنقابات المختلفة لإبراز هويتهم القومية والوطنية وتحمل المسؤولية للحفاظ على الطابع العربى والفلسطينى للمدينة». ظهر هذا الدور فى الانتفاضة الأولى حيث قاموا بمهمات اجتماعية وسياسية ونضالية متعددة كتوزيع المؤن على العائلات، وزيارة أهل الشهداء والأسرى والجرحى ومعالجة القضايا الاجتماعية التى نتجت عن الانتفاضة، حيث أصبحت الانتفاضة كلمة مرادفة للشباب وشكّلت نقلة نوعية لدى الشباب الفلسطينى والمقدسى خصوصاً على مستوى الوعى الوطنى، وأصبح الشباب هم قادة الشارع والقادة الفعليّون. ويؤكد شاهين أن لكل فعل رد فعل، مشيرا إلى أنه كما كان للشباب المقدسى الدور الرئيسى فى انتفاضة الأقصى، التى راح ضحيتها العشرات، منهم من قضوا فى سبيل الدفاع عن المقدسات، ومنهم من اعتقلوا بالمئات، فقد أصبح هؤلاء الشباب «مستهدفين رئيسيين» من قبل إسرائيل، فيما سماه «حملة تمييع» متعمدة عرضت الشباب المقدسى لتحديات غير مسبوقة لاسيما فى السنوات الأخيرة. وتوضح دراسة أعدتها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الآفات الاجتماعية فى المدينة أن «ما يتعرّض له الشباب المقدسى يختلف كثيرا عما يتعرّض له الشباب الفلسطينى فى باقى مناطق الضفة الغربية حيث توجد هناك هجمة (إسرائيلية) ممنهجة ومبرمجة تأخذ أشكالاً منوّعة منها تفريغ الشباب من مضمونه وإبعاده عن انتمائه العربى والفلسطينى، خاصة من خلال انتشار المخدّرات». وحول هذه الدراسة، تقول الناشطة فى مكافحة المخدرات سناء العنبتاوى: «يوجد أكثر 20 الف مدمن، و80 ألف متعاط للمخدرات فى منطقة القدس وهى من أعلى النسب فى العالم، والذى ساهم فى ذلك بشكل كبير - كما تشير العنبتاوى - الاحتلال الذى ينشر المخدرات ويسهل دخولها إلى المدينة ولا يفرض عقوبات على مروجيها فى الأوساط العربية». وتشير العنبتاوى إلى أن الاحتلال يخصص مبلغ 2200 شيكل «550 دولاراً» شهرياً لأسرة المتعاطى، وهذه المبالغ لا تعطى إلا إذا أثبت الشاب أن نسبة من المخدرات فى دمه، بذلك نجد أن الشباب المقدسى يتعاطى أول وثانى وثالث مرة لإجراء الفحص وتلقى المخصصات وبالتالى يصبح متعاطياً مدمناً. وتؤكد العنبتاوى أن الإدمان هو هروب للشباب المقدسى الذين يعانون من أوضاع مزرية يفرضها الاحتلال وخاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى وعزل المدينة عن امتدادها.