دارت عجلة المنظومة التعليمية فى المدارس والجامعات وسط مخاوف أسرية بإصابة الأبناء بأنفلونزا الخنازير وكيفية التعامل مع الأمر فى حالة حدوثه، وهل ستسد حكومتنا الرشيدة أم سيكون الاعتماد عليها كالاعتماد على حيطة مايلة؟. مع بداية العام الدراسى أبدأ فى مراقبة الأبناء، كيف يتعاملون مع ما يتلقونه من مناهج؟. ماذا عن التعلم من الحياة؟ ماذا عن استقراء الكون واستفزاز العقول لاكتشاف حقائق جديدة؟ العلوم الإنسانية الآن تسعى لإيجاد نسق علمى يتم على أساسه تفسير السلوك الإنسانى المحير مثلما يتم التعامل مع الذرات فى المعمل، فالإنسان كما يقال الآن هو ذرة اجتماعية تتجاذب وتتنافر طبقا لقوانين لاتختلف كثيرا عن القوانين التى تحكم انجذاب ذرات الهيدروجين للأكسجين لتكوين ذرة ماء. بعد المناهج الدراسية عن الحياة وعدم ربط ما يحدث فى المعمل والفصل والمدرج بما يحدث فى الشارع جعلنا نتوقف عن التطور العلمى والفكرى، فنحن مازلنا نتعامل مع مستجدات العصر ومشاكله برؤية قرن مضى، من يطلع على جرائد صدرت فى الخمسينيات من القرن الماضى سيجد أننا مازلنا نتحدث فى نفس الموضوعات وبنفس العقلية وربما بأسلوب أسوأ، يرجع البعض ذلك لاكتساح تيارات سلفية وتراجع دور المثقف وسقف الديمقراطية، تلك نتائج لسبب جوهرى ألم بالمجتمع وهو تراجع التعلم. أحاول مع أبنائى أن أربط بين ما يدرسونه وفهم أعمق للعالم ولأنفسهم، وكلما قرأت كتاباً وجدته يعاون فى ذلك ألخصه لهم وأجذبهم لقراءته. الإنسان نفعى بطبيعته، يبحث عما يفيده، وهذه الفكرة أسس عليها علم الاقتصاد معظم نظرياته، ويجب أن يدرك الفرد أن التعلم ليس رفاهية تفيد السادة أصحاب الياقات البيضاء ولكنها تفيد المزارع والصانع وجامع القمامة وحتى المتسول. هذا هو ما حدث فى ولاية كيرالا الهندية (وهى تحريف لاسم «خير الله» لأن معظم سكانها من المسلمين)، وتعتبر «خير الله معجزة الهند الاجتماعية، فهى إقليم زراعى بأقصى الجنوب سكانه من المزارعين الفقراء، حقق ما لم ينجح فى تحقيقه فى سائر بقاع الهند وهو عدم تزايد عدد المواليد. من الناحية الاقتصادية والاجتماعية يتشابه الإقليم مع سائر بقاع الهند الزراعية. ليس أكثر ثراء من أى منها ولا أرضه أفضل من غيرها. كيف يمكن إذن أن يكون مختلفا على هذا النحو! الأمر الوحيد الذى يجعل الإقليم مختلفا هو التعليم وخاصة للنساء. فى أواخر الثمانينيات قامت حكومة كيرالا بمجهود جبار لمحو الأمية، واستطاعت هذه الجهود أن تمحو أمية مائة وخمسين ألفا من الأميين ثلثاهم من النساء. بعدها بثلاث سنوات فى عام 1991 أعلنت الأممالمتحدةإقليم «كيرالا» الولاية الوحيدة فى العالم التى بلغت نسبة المتعلمين فيها 100%، ورأى الاقتصاديون والباحثون الاجتماعيون أن تعليم النساء فى كيرالا كان العصا السحرية، فعندما تعلمت المرأة أصبح لها اهتمامات جديدة غير البيت والأولاد.. التعليم أصبح هو الداعم لهؤلاء النساء ولم يعدن ينتظرن «العزوة» بكثرة عدد المواليد، لقد أصبح التعليم فى كيرالا جزءاً من نسيج الحياة الاجتماعية وساهم فى رفع مستوى معيشة البسطاء وتغيير حياتهم.. وهذا ما ننتظره ونتمناه.