ما بين بنات وسيدات اخترن حياة خاصة بهن، ينظرن إلى الدنيا بعيون تطل بين قماش غلب عليه السواد، متخفية أحياناً خلف «شاش» لا يُظهر من ملامح العين سوى بريق تراه لحظة نظرها إليك، إذا نظرت، فهى غالباً تحنى رأسها للأرض خشية أن تقع عيناها على فتن الدنيا التى حرَّمت جزءاً كبيراً منها على نفسها، ففى عالم النقاب بعض السنن فروض، وكلمة السر فيما بينهن هى «أختى فى الله»، ذلك اللقب الذى ينادين به بعضهن حتى وإن كان دون سابق معرفة، خاصة فى نصيحتهن بارتداء النقاب الذى هو من وجهة نظرهن فريضة، قد تعرضهن للتفتيش أو التحقق من شخصيتهن فى أى مكان تواجدن به، الأمر الذى جعلنا ندخل إلى دنياهن فى مسجد «العزيز بالله» بمنطقة الزيتون.. وحاولت «المصرى اليوم» التعرف على قصص المنتقبات، والوسائل التى يلجأن إليها لإقناع البنات به، وحججهن فى ذلك من خلال معايشة حقيقية تظهر بعض الأمور فى السطور التالية. خطوات قليلة تفصل مصلى السيدات المقسم بين غرف المحاضرات الدينية ومكان الصلاة عن مصلى الرجال، تبدأ رهبة المكان منذ دخول بوابة المصلى وقبل الصعود لمكان السيدات بالطابق الثانى، حيث يجلس فرد أمن بجواره شاب عشرينى ذو لحية طويلة سرعان ما يوجه نظره أرضاً عند سماع خطوات تقترب، يرد السلام على استحياء شديد ويبادر بسؤاله: «المصلى أم الدروس»، وكأنه على علم تام بكل من يأتى المسجد، حتى إنه يستطيع تمييز المترددين الجدد من ملابسهم المارة بجواره، الأمر الذى تتأكد منه بمجرد الوصول إلى مكان الصلاة، حيث تجد «النقاب» سيد الموقف. مع بداية الوصول إلى الطابق الأول وقبل بدء درجات الطابق الثانى المؤدى لمكان الصلاة تبدأ المنتقبات خلع نقابهن وكأن لسان حالهن يقول: «أخيراً نسمة هواء تلطف حرارة الجو»، خاصة أنهن يعرفن أن رجال المسجد لا يصعدون إلى أعلى مهما كان السبب، ومن هنا تبدأ علامات الاستغراب من المتجهات للمصلى عندما يشاهدن التى تصعد بجوارهن ترتدى حجاباً قصيراً عادياً وبنطلوناً، سرعان ما ذهبت علامات الاستغراب من وجوه المترددات على السلم، لتنتقل إلى نظرات من بساحة المسجد، حيث السيدات بين واقفات وجالسات وأخريات بدأن يصلين سنة الظهر قبل إقامة الصلاة، ورغم اختلاف أوضاعهن، فإن سمة واحدة جمعتهن هى رفع النقاب إلى أعلى الرأس أو أسفل الذقن ورداء تنوع بين «الملحفة» والعباءات الفضفاضة، والنظر إلى الضيفة الجديدة صاحبة «البنطلون» التى وقفت تخلع حذاءها وسط نظرات متجهمة من الموجودات. وبسؤال بسيط عن مواعيد الدروس الدينية، والمحاضرات التى تتحدث عن الحجاب الصحيح وأهمية النقاب، توقفت نظرات الاندهاش، وتأتى إحدى السيدات لتقول: «المحاضرات أيام الأحد والاثنين والأربعاء، ولكنها دروس عامة دينية يمكنك من خلالها السؤال عن النقاب أو شكل الحجاب السليم». تمضى تلك السيدة ولكن سرعان ما تأتى إحدى الشابات مسرعة لتسأل: «لماذا تسألين عن النقاب، هل أنت طالبة تريد عمل بحث ما، أم أنك تريدين ارتداءه؟»، وبمجرد معرفتها بوجود نية لذلك تصطحبنى إلى المسجد منادية على زميلتها وتقول لها: «أرأيت أن الله يخلق الأزمات لتكون طريق هداية لبعض الناس، فلولا أزمة النقاب الأخيرة ما عرف أحد أن تمسكنا به نابع من كونه فرضاً». تجلس الشابة العشرينية فى أحد أركان المسجد لتشرح أهمية النقاب الذى فرضه الله من خلال بعض الآيات القرآنية بسورتى «النور» و«الأحزاب» والحديث المعروف لديهن جميعاً عن السيدة عائشة رضى الله عنها عندما قالت: «قمن إلى مروطهن فشققنها وخرجن كأن على رؤوسهن الغربان»، وتستشهد بقصة الفنانة «حنان ترك» وكيف أن حجابها جاء بمشورة الشيوخ والعلماء وباقتناع تام وليس بالأمر، مؤكدة من خلال ذلك أنها سوف تستخدم الأسلوب نفسه فى الحديث عن النقاب، وتبدأ رواية قصتها مع النقاب الذى ارتدته منذ التحاقها بالمرحلة الثانوية، ثم تنتقل إلى الحديث عن الأزمة الحالية التى فجرها شيخ الأزهر بمنع النقاب فى الجامعات والمدن الجامعية، وتقول: «فى مثل تلك الأزمات من ارتدت النقاب وهى على اقتناع به كفرض هى من تظاهرت واستمرت فى ارتدائه، والعكس بالعكس»، ليبدو كلامها وكأنه مبنى على عدم وجود إجازة لغير النقاب، فهو الزى الإسلامى للمرأة المؤمنة، وغير ذلك فهن مسلمات يؤدين فرائض الإسلام الخمس ولكن لسن على درجة الإيمان الكبيرة. ووسط استطراد الشابة فى الحديث عن النقاب وشرعيته، تأتى السيدة التى يبدو عليها وكأنها جزء من المسجد عرفتها كل السيدات ويتحدثن إليها ويشاورنها، وتجلس بجوارنا لتستمع، وتبدأ تسألنى: «أنت مين، وبتسألى عن النقاب ليه؟»، تلك الطريقة التى جعلت الشابة تبادر بالرد: «إنها صديقتى وأختى فى الله، سنصلى الظهر سوياً بعد أن نكمل حديثنا»، ولكن السيدة لم تكتف عند هذا الحد فنادت على الشابة لتحدثها هامسة عن شىء ما، بعدها تأتى العشرينية وقبل أن تكمل حديثها الذى بدأته عن النقاب، تقول: «هناك تعامل خاص فى هذا المسجد، شأنه شأن تعامل الأمن مع بعض المنتقبات فى الشارع والمصالح الحكومية، وهو أننا نريد بطاقتك الشخصية للتأكد من هويتك، كإجراء أمنى بسيط»، ويحالفنى الحظ أن بطاقتى مازالت تحمل فى خانة الوظيفة «طالبة جامعية» وليس «صحفية»، الأمر الذى طمأن الاثنتين. يستمر الحديث عن النقاب وتبدأ السيدة تبتعد عنا متنقلة بين أرجاء المسجد لتبرر الشابة لها ذلك قائلة: «إنها أحد أفراد الأمن بالمسجد، شأنها كأمن الدولة تمنع تجمع أكثر من منتقبة، أو بعض الأحاديث التى نجريها الآن خوفاً من أن نكون «تكفيريين» من الذين يدعون لإباحة قتل الأجانب بحجة أنهم أعداء الإسلام وما إلى ذلك، وبالرغم من أنها كانت متخفية فى وقت ما بحجة أنها خادمة للمسجد، إلا أننا بمرور الوقت عرفنا جميعاً حقيقة أمرها، خاصة أن 90٪ من المترددات على المسجد من المنتقبات». تستطرد الشابة: «إذا عزمت النية على ارتداء النقاب فعليك بتحمل تلك المواقف التى قد تتعرضين إليها كثيراً دون ذنب، ولكن الخلفيات الأمنية لها وجهة نظر أخرى تتم تحت شعار (الأمن العام)»، ثم تأتى إحدى صديقاتها والتى تعرف سبب حضور تلك الضيفة، وعلى الفور تخرج من حقيبتها كتيبات صغيرة لأدعية الصباح والمساء وتعطيها لى وهى فى سعادة غامرة، لأن المنتقبات سيزددن، وينتهى الحديث بتبادل أرقام الهواتف المحمولة مع الوعد بالتبليغ عن ميعاد حلقة استثنائية للتحدث عن النقاب كفريضة.