اندلاع ثورة القاهرة الأولى

اليوم انفجر الغضب وثارت القاهرة. كالعادة بدا الأمر وكأن معين الصبر لا ينفد. كالعادة لا يتعلم الطغاة الدرس إلا بعد فوات الأوان. الغضب يتصاعد ببطء، والكتلة الحرجة قاربت الوصول ويليها الانفجار المروع.
النصيحة الأولى للطغاة: لا تضغط على الشعب المصرى أكثر من اللازم. اترك له منفذا، منفثا، كسرة خبز، شربة ماء. دعه يأمل فى الغد، حتى لو لم يتحقق. يا أخى اقرأ كتب المرحلة الثانوية.
احفظ أسباب ثورة القاهرة لأنها ستأتى فى الامتحان: السبب الأول: فرض الضرائب الباهظة على عكس وعود نابليون عند قدومه لمصر(الكلام لك يا جارة). السبب الثانى: تفتيشهم للبيوت والدكاكين بحثا عن أموال (لم يفتشوا فى الجيوب ولم يخترعوا حكاية الضرائب العقارية). السبب الثالث: هدم أبواب الحارات لتسهيل مطاردة رجال المقاومة وهدم المبانى والمساجد بحجة تحصين المدينة (كالعادة المبررات الأمنية).
وإذا كانت ثورة الشعوب تزعج الحكام، فقد كان الأمر لنابليون كارثة. من المدهش أن نابليون كان أوعى بمكانة مصر من حكّام من بنى جلدتها. اسمع يا سيدى كلام نابليون وتحسر على حال بلدنا: «لو حكمت مصر لن أضيع قطرة واحدة من النيل فى البحر،‏ وسأقيم أكبر مزارع ومصانع أطلق بها إمبراطورية هائلة‏./ فى أوروبا الغيوم لا تجعلك تفكر فى المشاريع التى تغير التاريخ، أما فى مصر فالذى يحكم بوسعه أن يغير التاريخ‏.‏/ لو لم أكن حاكما على مصر لما أصبحت إمبراطورا على فرنسا‏.‏/ الرسول محمد بنى إمبراطورية من لا شىء‏.‏ من شعب جاهل بنى أمة واسعة.‏ من الصحارى القفر بنى أعظم إمبراطورية فى التاريخ‏».
‏ حكيم جدا وإن لم ينتفع بحكمته، أو ربما استدرجه صبر المصريين وأغراه. الرجل كان واعيا لمكانة الدين، حتى أن هذا الوغد الظريف- واسع الخيال- وزّع منشورا ليلة نزول الإسكندرية يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده ولا شريك له فى ملكه.
أيها المشايخ والأئمة: قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون».
وتجول فى الشوارع بجلباب وعمامة أزهرية. برغم ذلك بدأت الثورة من الأزهر، وظهر الوجه الحقيقى للإمبراطور المستعمر.