مساء الأحد الماضى وقع حادث مؤسف.. انفجرت سيارة أمام كنيسة العذراء بالزيتون.. وعرفنا الخبر من بعض الفضائيات العربية، التى كشفت أن عبوة ناسفة كانت سببا فى الحادث، وأن قوات الأمن نجحت فى إبطال مفعول عبوة أخرى فى سيارة قريبة.. وأن الحادث لم يسفر عن وفيات أو إصابات. الخبر كان يبعث على الضيق والريبة، ونشرته بعض الطبعات المتأخرة من الصحف مصحوبا بتصريح لمصدر أمنى أعلن فيه، بمنتهى الثقة، أن الحادث وقع فى السيارة بسبب ماس كهربائى بها، مما أدى لانفجار بطاريتها، ودعا المصدر الأمنى، الذى لم تذكر الصحف اسمه، وسائل الإعلام المختلفة لتوخى الدقة فى نشر هذه الأخبار والبعد عن التهويل.. وطبعا جاء الخبر مريحا جدا لأمثالى ممن أصيبوا بفزع مما بثته الفضائيات العربية فى المساء، وتوجسوا خيفة من وجود مخططات تستهدف النيل من الوحدة الوطنية فى مصر، وهذه المخططات نعلمها جميعا وتسبّب إزعاجا شديدا لكل من يهتم بأمر هذا الوطن، كلما وقعت حادثة من هذا النوع. وما هى إلا ساعات قليلة حتى تكشفت المفاجأة، فخلال تحقيقات النيابة بالاستعانة بالمعمل الجنائى، تأكد أن السيارة انفجرت بسبب عبوة ناسفة فعلا، وأن قوات الأمن تمكنت، فعلا، من إبطال عبوة أخرى فى سيارة أخرى وتبين صدق الفضائيات العربية، وكذب المصدر الأمنى الذى يبدو أنه صرح بما لا يعلم، أو أنه أراد عمدا تضليل الرأى العام. والحقيقة أن هذا المصدر الأمنى أصاب مصداقية الجهاز الأمنى فى مقتل.. فلا يمكن أن نكون فى عالم مفتوح نصفه دائما بأنه قرية صغيرة، بينما لا يزال المصدر الأمنى يتحلى فى القرن ال 21 بعقلية الحجب التى كانت سائدة فى ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضى.. فكيف سمح هذا المصدر الأمنى لنفسه بأن يعبث بالحقيقة فى قضية حساسة بهذا الشكل؟! ولماذا تسرّع- إن كان حسن النية- فى الإدلاء بتصريح خطأ قبل أن يأتيه اليقين؟ وهل تخيّل المصدر الأمنى أن القضية سوف تنتهى بمجرد إدلاء سيادته بهذا التصريح المعجزة؟! وإذا كان المصدر الأمنى، بحسب وصفه، ينتمى لجهاز الأمن، فعلينا أن نسأل بصراحة ووضوح، هل وظيفة جهاز الأمن أن يخفى الحقيقة أم أن يبحث عنها؟! ولايمكن هنا قبول الزعم بأن المصدر الأمنى كان يحاول أن يحافظ على سرية التحقيقات حتى لا يهرب الجناة، لأن التحقيقات لم تكن قد بدأت، ولأن الجناة كانوا قد هربوا بالفعل. ما أعلنه المصدر الأمنى يتفق مع ما كان يحدث خلال فترة الإرهاب فى أوائل التسعينيات، فكلما وقع حادث إرهابى تهتز له الدنيا، خرج علينا مصدر أمنى «فورى» ليؤكد أن الحادث «فردى» قبل أن يبدأ التحقيق، بينما كان الجميع على وعى تام بأن الحوادث كلها كانت من تدبير جماعات بعينها، وأصبح لفظ «الحادث فردى» نكتة مكررة تعنى أن الحقيقة لا تزال بعيدة، واستخفافا بالعقول عن طريق بث رسائل تهدئة للرأى العام على فرض أن الناس لاتفهم ولاتعى. المؤكد ياسادة، أن مصر بما تشهده حاليا من تطورات اجتماعية وجنائية سلبية للغاية، تحتاج نموذجا مختلفا من التعامل، يبنى جسورا من الثقة بين المواطن وجهاز الأمن، ويعيد الحيوية للمجتمع بشكل يعيد الأمن الحقيقى للمواطن.. فالهدف أن يشعر المواطن أن الأمن لحمايته ولمصلحته، وليس لحماية النظام منه.. والأمن أيضا يحتاج أن يستعيد ثقة المواطن فيه، خاصة بعد حوادث كثيرة كانت محل اهتمام إعلامى محلى ودولى، ولم يتم التوصل فيها للجناة، ومنها حادث مقتل جواهرجى الزيتون وحادث تفجير الحسين، وهما الحادثان اللذان نُشرت بصددهما أنباء كثيرة تفيد بقرب التوصل للجناة. نحن جميعا فى قارب واحد، وليس من مصلحة المواطن أن تختل منظومة الأمن.. ولكننا لا نستطيع أن نبحر بهذا القارب أبدًا دون ثقة الأمن فى المواطن، ودون ثقة المواطن فى الأمن.. ومثل هذا المصدر الأمنى الذى بادر بالنفى، بحسن أو بسوء نية، يهدر الثقة ويهزها، ويعطى الفرصة للمتربصين فى الداخل والخارج للعبث والإشارة إلينا بإصبعه فى سخرية.. وينتقص من مكانتنا كثيرا جدا.. وأقول لهذا المصدر الأمنى نفس النصيحة التى طالب بها الفضائيات: يجب ألا تتسرع بإصدار شائعات كاذبة يا سيادة المصدر الأمنى. أعتقد أن هذا المصدر الأمنى المجهول يمكن التوصل إليه بسهولة من أجهزة وزارة الداخلية، حيث يجب التحقيق معه بتهمة الانتقاص من مكانة جهاز الأمن، ويجب التوجيه للسادة المصادر الأمنية الأخرى بتوخى الحذر وتوفير المعلومات الدقيقة للصحافة والإعلام، خاصة فى زمن يستحيل فيه إحاطة أى شىء بسرية تامة. لعلها توبة.. ولعلها درس يستفيد منه المصدر الأمنى. [email protected]