فى البيت الأبيض رجل وظيفته قراءة رسائل الأمريكان إلى الرئيس، وعرض 10 منها يومياً على «أوباما» الذى يقرؤها بعناية، ويرد شخصياً على أصحابها، وفى واحدة منها كان مواطن أمريكى قد أرسل يرجو الرئيس أن يتوقف عن التدخين لأن صحته تهم 300 مليون مواطن ولا تخصه وحده، فأرسل الرئيس يشكره، مع وعد بأن يتخلص من السيجارة فى أقرب فرصة! كان الرد من الرئيس بخط يده، وكان تأثره بالرسالة شديداً، لأن صاحب الرسالة كان يخشى على «أوباما» من مصير والده.. والد المواطن الأمريكى الذى فقد حياته فى وقت مبكر بسبب التدخين! أما قارئ رسائل المواطنين إلى مكتب الرئيس هناك، فيقول إنه يختار أسوأ الرسائل الواردة وأتعسها، وأشدها بؤساً، ولا يتعمد عرض الرسائل الوردية منها، التى قد تطمئن الرئيس إلى أن كل شىء تمام! فهذا النوع يتجاهله تماماً، ويختار عن قصد كل رسالة مؤلمة، ليصل نبض الشارع الحقيقى إلى مكتب الرئيس البيضاوى، ثم إلى قلبه وعقله! ولا أحد يعرف ما إذا كان هناك رجل من هذا النوع، حول الرئيس مبارك أم لا.. ولكن الذى نستطيع أن نلاحظه أن المحيطين بالرئيس محبون له، أكثر منهم موظفين عنده، أو عاملين معه، لأن شخصيته ودودة بطبعها، ويغلب عليها الطابع الإنسانى أكثر مما سواه، ولذلك يتقبل منه العمال، هذا العام، أن يخطب، فلا يعلن عن العلاوة، مع أنه كان يعلنها منذ كان نائباً للسادات.. فلا العمال ضاقوا ولا تبرموا من غيابها هذه السنة! وإذا كان هناك حول الرئيس مَنْ يحرص على إرضائه، رغبة فى الاحتفاظ بموقعه، فإن الحب للرجل، فى الغالب، يسبق هذا الحرص، ولو أن أحداً أحب أحداً فى المطلق، دون أن يكون أحدهما رئيساً، ويكون الثانى مرؤوساً، فإن المحب فى العادة يتجنب إيذاء مشاعر مَنْ يحبه، وهذا المنطق بالضبط هو الذى يحكم، فى أغلب الأحوال، العلاقة بين الرئيس والقريبين منه، ممن يعملون معه، ويظل الهدف الأول لهم هو الخوف عليه أكثر من الخوف منه، ثم الإشفاق عليه أيضاً مما قد يضايقه، أو يعكر صفو حياته! ونستطيع أن نتوقع أن يكون المعروض على الرئيس يومياً باعثاً على الرضا، أكثر منه جالباً للعكننة، وأن يدخل عليه الذين يملكون هذا الحق، بحكم وظائفهم، وفى أيديهم ما يرسم الابتسامة، أكثر مما قد يستدعى الغضب، ويتسبب فى الألم، ويظل كل ذلك كما قلت، بدافع الحب، قبل دافع الحرص على البقاء إلى جوار الرئيس.. ولكن عيب هذه الطريقة أنها بحسن نية، تخفى عن الرئيس «بلاوى» كثيرة، لابد أن يكون على إحاطة كاملة بها، أو تؤجلها على الأقل، فإذا عرفنا أن مبارك، كما قال ذات يوم، لا يطالع سوى صحافة الدولة، فإن فرصة وصول مثل هذه «البلاوى» إلى علمه تظل ضئيلة للغاية، وبطبيعة الحال فإن الغاية هنا، وهى الرغبة فى إسعاده، بدافع الحب، من هؤلاء، أكثر من أى شىء آخر، قد تبرر الوسيلة، غير أن الثمن فى النهاية يكون باهظاً، إذا غاب عن الرئيس ما يتعين عليه أن يعرفه بتفاصيله فى حينه! حب الرئيس شىء جيد ندعو إليه، ولكنه لا يبرر مطلقاً إخفاء الجانب الآخر من الصورة عن المواطن رقم واحد فى البلد!