جاء اختيار أوباما لمصر لإلقاء خطابه إلى العالم الإسلامى، ليثير العديد من علامات الاستفهام، خاصة أن القاهرة لم تكن مرشحة بقوة وسبقتها عواصم أخرى مثل جاكرتا وأنقرة وحتى الرياض، ليأتى اختيار القاهرة محلاً للتساؤل عن الأهداف الأمريكية من هذا الاختيار. ولا يمكن إهمال حقيقة أن الدولة الإسلامية الأولى التى قام أوباما بزيارتها هى تركيا، بما يؤشر لرغبة أوباما فى مد الجسور مع الدول التى تشكل وسيطا بين الولاياتالمتحدة و«أعدائها» فى العالم الإسلامى، فتركيا بوسعها أن تشكل وسيطًا للتحاور مع إيران فى الوقت الذى تتمتع فيه بعلاقات جيدة وب«ثقة» إسرائيل، وما ينطبق على تركيا ينطبق على مصر، فالقاهرة لديها علاقات مع إسرائيل وهى قادرة على التواصل مع حركة حماس وبدرجة ما مع سوريا، مما يجعلها «جسرًا» مثاليًا بين الطرفين. كما أن اختيار مصر يأتى لرغبة أمريكا فى التأثير من خلال هذا الخطاب على دول الشرق الأوسط وتحسين العلاقات الأمريكية معها، وأغلبها عربية، خاصة فى ظل تركز المصالح الأمريكية فى هذه المنطقة، والتراجع الدراماتيكى فى الشعبية الأمريكية فيها، فضلاً عن أنه من الممكن أن تجدى حملات العلاقات العامة، مثل هذا الخطاب، مع الدول العربية، لوجود سابق «إعجاب عربى» بالنموذج الأمريكى. كما يأتى اختيار مصر بوصفها دولة «لا تثير الاعتراضات» فى أغلب أنحاء العالم الإسلامى، إذ إن الصورة الذهنية عن مصر فى العالم الإسلامى أنها دولة «معتدلة» لا تنتمى ل«المتطرفين» ولا إلى «المفرطين»، بمعنى أن مصر ك«دولة» تثير من التجميع أكثر مما تثيره من التفرقة بين المسلمين، مما يسهل قبول غالبية المسلمين رسالة أوباما دون عوائق. وقرر أوباما إلقاء خطابه من القاهرة لحقيقة أن المصريين هم الأكثر تشككًا فى النوايا الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، على الرغم من موجة التفاؤل التى اجتاحت العالم بوصول أوباما للحكم. ويلاحظ أن الزيارة أتت بعد قرار أمريكى بالتوقف عن تخفيض المساعدات الأمريكية إلى مصر، بل وزيادتها بنسبة 25٪، مما يؤكد وجود رغبة أمريكية حقيقية فى تحسين العلاقات مع القاهرة، بما يؤكد رغبة أمريكا فى إزالة التوترات الواضحة التى ظهرت بين القاهرةوواشنطن خلال فترتى حكم بوش، بسبب الضغوط الأمريكية فى ملفى حقوق الإنسان والديمقراطية. وعلى الرغم من أن الناطق باسم البيت الأبيض نفى صراحة أن تكون زيارة أوباما دعما للنظام المصرى فإنه من المؤكد أن تشكل هذه الزيارة وإلقاء الخطاب من مصر تدعيمًا «معنويًا» لمركز القاهرة المتراجع فى المنطقة، إذ تمثلت الأزمة المصرية فى الآونة الأخيرة فى أن القاهرة فقدت كثيرًا من دعم واشنطن لها فى الوقت الذى توترت فيه علاقتها مع جبهة «الممانعة» مما جعلها بلا حلفاء «واضحين» وأفقدها الكثير من قدرتها على التأثير. ولا شك أن زيارة أوباما وخطابه يأتيان كجزء من استراتيجية أوباما لإعادة بناء الحلف الأمريكى «المعتدل»، بعد أن شهد هذا الحلف تراجعًا خلال الفترة الماضية، غير أن هدف أوباما من إعادة بناء التحالف يختلف عن هدف سلفه، لأنه ليس تحالفًا من أجل الحرب والعقوبات على إيران ولكن للضغط عليها ولعزلها قدر الإمكان، لتسهيل مهمة المفاوض الأمريكى عندما يأتى وقت الحديث مع طهران. يبقى أنه من المؤكد أنه إذا أرادت الإدارة الأمريكية أن تحسن صورتها فى العالم الإسلامى، وأن تستعيد علاقتها المتميزة مع مصر فإنه سيكون عليها أن تفعل ما هو أكثر من إلقاء خطاب، لأن ذكريات 8 سنوات من الصدام لا تنمحى بمجرد إبداء «النوايا الحسنة».