واصلت صحيفة الجارديان البريطانية انتقاداتها لاختيار الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمصر ليوجه منها خطابه إلى العالم الإسلامى فى الرابع من يونيو المقبل. وقالت الصحيفة، فى مقال كتبه كريس فيليبس على صفحات الرأى، إن الرئيس الأمريكى يخاطر بهدم سياسته التى وعدت بالتغيير، وذلك باختياره للنظام المصرى الفاسد كى يكون مضيفه فى الشرق الأوسط. ووصف فيليبس أوباما بالقائد العسكرى الذى يستعد للهجوم الأول بوضع كل سلاح فى مكانه، ورأى أن أوباما مهد الأرض باجتهاد لدخوله إلى المياه الراكدة فى دبلوماسية الشرق الأوسط. حيث أرسل وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون إلى إسرائيل ومصر ولبنان، وبعث بمبعوث له إلى سوريا واستضاف العاهل الأردنى الملك عبد الله فى واشنطن. والآن فإن البيت الأبيض يعلن عن الخطوة الأخيرة فى مناورته المفتوحة، أول زيارة يقوم بها أوباما إلى المنطقة كرئيس ستكون إلى مصر التى سيلقى بها خطابا سياسياً فى الرابع من يونيو. ورغم أن اللقاء المرتقب الأسبوع القادم فى واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو قد يثبت أهميته فى رؤية الإدارة الأمريكية لسياسة الشرق الأوسط، إلا أن مصر تقدم للولايات المتحدة فرصة لإعادة بناء سمعتها التى لحق بها الضرر، والتدشين لنهج جديد فى المنطقة. غير أن اختياره للنظام الفاسد والسلطوى فى القاهرة كى يستضيفه، فإن أوباما يخاطر بالقضاء على رسالته الخاصة بالمصالحة والتغيير. وبدءاً من خطابه الناجح فى العاصمة التركية الأنقرة وحتى الإعلان عن الحديث علانية فى الشرق الأوسط العربى المحترق، كل ذلك يمثل قراراً شجاعاً من قبل أوباما، ويستحق الثناء عليه. وفى تفسيره لأسباب اختيار مصر من بين الدول العربية، قال البيت الأبيض إنها تمثل قلب العالم العربى، كما أنها أكثر الدول العربية من حيث عدد السكان، وأقوى دول المنطقة. وفيما يمثل تعبيراً عن رحيل رمزى عن الماضى، سيتجنب أوباما إسرائيل فى جولته الأولى للمنطقة، وربما يأمل أن يؤدى ذلك، إلى جانب رسالته الجديدة عن السلام، فى جذب بعض الحشود والتملق بنفس الطريقة التى استقبل بها فى برلين خلال حملته الانتخابية. وعلى الرغم من أن اختيار دولة ديكتاتورية ذات سجل بائس فى مجال حقوق الإنسان كمنبر لخطابه سيترك المجال مفتوحاً أمام الانتقادات، إلا أن الإدارة الأمريكية تصر على أن الغاية تبرر الوسيلة. حيث أكد المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس على أن مجال الخطاب أكبر من المكان الذى سيلقى فيه أو قيادة دولة التى سيلقى أمامها. وقد يجادل البعض بأن واشنطن ليس أمامها خيارات كثيرة نظراً للطبيعة السلطوية لكل الأنظمة العربية، وأن أوباما بإمكانه أن يستخدم خطابه لانتقاد نظام مبارك، غير أن جيبس أكد على أن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست ضمن أجندة أوباما. ومثل هذا الاتجاه يوصف فى أحسن الأحوال بأنه ساذج. فمهما كانت رمزية الخطاب أو أهميته، سيظل ينظر إليه كتأييد من إدارة أوباما لنظام مبارك. وإذا كان البيت الأبيض يعتقد أن مضمون الخطاب يتجاوز أى قدر من السلبية تحملها سياسات الدولة المضيفة، فلماذا إذن لم يتم اختيار بيروت أو دمشق أو الرياض؟ الإجابة هى أن الانتقادات الداخلية للرئيس الأمريكى ستكون أكبر بكثير إذا دعم علانية أياً من هذه الأنظمة. وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا، فإن الرئيس المصرى سوف يستفيد من "وهج" الرئيس الأمريكى، وستستغل القاهرة حتماً، ومع الأسف، الزيارة القادمة لمحاولة فرض الشرعية على وضع الدولة البوليسية القائمة حاليا. وسوف يعزز هذا من المخاوف بأن واشنطن تختار النفعية عن المبادئ. ففى خطاب تنصيبه، أخبر أوباما هؤلاء الذين يتسلقون إلى السلطة بالفساد والغش وإخراس المعارضين بأنه سيمد يداً إليهم إذا كانوا راغبين فى إرخاء فبضتهم. ومبارك لم يقم بإرخاء قبضته. فلم تتم أى إصلاحات إيجابية. حتى فى الوقت القليل الذى مضى على دخول أوباما إلى البيت الأبيض، تم اعتقال مئات من الأشخاص دون محاكمتهم بعد احتجاجات الحرب على غزة. وربما كان تأييد نظام مبارك مكافأة له على الوساطة المصرية المستمرة فى المحادثات بين فتح وحماس، إلا أن هذا الدور لا ينبغى تضخيمه، فالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، كشفت عن حقيقة اتجاهات القاهرة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ومن المحتمل جداً أن يكون نجاح هذه المفاوضات معتمد على أحداث خارجية فى واشنطن وتل أبيب ودشمق. ربما تقوم مصر بمهمة جيدة بلعب دور "مربية الأطفال" فى حين أن السياسات الحقيقية يتم صياغتها فى مكان آخر. لكن هذا على الأقل يوفر الإجابة التى قد تلجأ إليها واشنطن فى حال سؤالها عن أسباب منح مصر معونة سنوية تقدر بمليارى دولار. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تعى مستوى انخفاض شعبية مبارك خارج مصر، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك بالضرر على أوباما. فالحرب على غزة جعلت النظام المصرى محل انتقادات بل وسخرية فى بعض الأحيان فى وسائل الإعلام الفلسطينية واللبنانية والسورية، وهى نفس شعوب الدول التى تريد واشنطن أن تتوجه إليها. على النقيض، تبدو الأردن مكان أكثر قبولاً لإلقاء الخطاب الموعود فيها. فرغم أن عمان مدينة أقل "سحراً" وربما "تلوثاً" من القاهرة، فإنها من الناحية الجيوسياسية أقرب إلى قلب العالم العربى الحقيقى، وهو الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. والأكثر أهمية أنه على الرغم من أن نظامها بعيد عن الديمقراطية، إلا أنه ألطف بكثير من نظام مبارك. كما أن أوباما قام بالفعل بتطوير علاقاته مع الملك عبد الله الثانى، وهو الزعيم الذى أبدى رغبة سياسية كبيرة فى الإصلاح الداخلى أكثر مما فعل مبارك. المتشائمون سينظرون إلى خطاب القاهرة كتعليق من جانب أوباما للأفكار التى تحدث عنها فى خطاب تنصيبه لصالح الاستقرار الإقليمى، فى حين أن المتفائلين سيأملون أن كتاب هذا الخطاب الذين يحاولون صنع معجزة ربما بإمكانهم تحويل الموقف بخطاب حقيقى عن هذه المبادئ على رأس المضيف. الأمر المؤكد، هو أن اختيار القاهرة جعل الرئيس أوباما يدخل فى مقامرة، فكسب العالمين العربى والإسلامى سيحتاج إلى وجود نتائج على أرض الواقع فى فلسطين والعراق وأفغانستان، وهو الأمر الذى قد يستغرق سنوات ليتحقق. فى المقابل، فإن التأييد العلنى لنظام مبارك الديكتاتورى قد يجعله فاقداً للمصداقية فى أعينهم بشكل سريع للغاية.