على بداية الطريق الزراعى المؤدى إلى قرية «سندوه» بمركز الخانكة محافظة القليوبية، والذى لا يتجاوز اتساعه ثلاثة أمتار فقط، يلتف أربعة أشخاص حول طلمبة حبشية تقع بجوار ترعة صرف زراعى فى مدخل القرية، منهم من استخدمها فى غسل يديه ومنهم من روى عطشه من مياهها.. هذه الطلمبات تنتشر فى كل جانب من جوانب القرية ويرى المواطنون أنها أفضل من مياه «الحنفيات» التى تأتيهم ملوثة بالأتربة على حد قولهم. ورغم أن الطلمبات الحبشية، يطمئن لها جميع أهالى القرية فإن المياه التى تخرج منها ذات رائحة كريهة تشبه رائحة مياه الصرف الصحى، وهو ما أرجعه الأهالى إلى اختلاط مياه الصرف بالمياه الجوفية خاصة أن القرية لا يوجد بها صرف صحى ويعتمدون على شبكة صرف أهلية، تسببت فى النهاية فى انتشار مياه الصرف فى كل مكان وانسداد البالوعات الموجودة بالشوارع. «شوفولنا حل يخلصنا من الوباء اللى هيموتنا ده»، بهذه الكلمات بدأت تتحدث خديجة عبدالمجيد سروجى، التى لم يمنعها كبر سنها 70 عاماً من الوقوف مع السيدات اللاتى جئن لملء زجاجات المياه التى يشربون منها من إحدى الطلمبات المنتشرة بالقرية، خديجة تؤكد أن هناك أكثر من حالة أصيبت بالتيفود داخل القرية لكن الجميع يتكتم على الخبر، خاصة بعد ظهور حالات كثيرة فى قرية البرادعة. ويرى أحمد صديق البالغ من العمر 52 عاماً أن مياه الطلمبات تبدو نظيفة، فعلى حد وصفه: «مش شايفين تلوثها.. إنما مياه الحنفيات أوقات كتيرة تنزل معكرة وأوقات طعمها بيبقى وحش ورائحتها كريهة»، ويضيف صديق: «المشكلة الرئيسية فى الصرف، لأن مياه الصرف انتشرت فى كل مكان بسبب انسداد الرشاح، بخلاف أن بعض الأهالى يصرفون فى «طرنشات» وليس فى مواسير وهو ما تسبب فى اختلاط مياه الصرف بالمياه الجوفية فكثيراً ما تكون رائحة مياه الطلمبات مثل رائحة مياه الصرف ولكننا لا نجد حلاً آخر يحمينا من هذا التلوث» ما قاله فكرى جمعة، أحد سكان القرية، من خوفه على أطفاله وعلى نفسه من الإصابة بمرض التيفود أو غيره من الأمراض هو نفسه التخوف الذى أكده جميع المواطنين وهو ما جعل بعضهم يلجأ لشراء مياه من أماكن بعيدة عن القرية. فيما أكد إبراهيم أحمد إبراهيم وهو أحد العاملين فى تسليك شبكات الصرف بالقرية أن انسداد الرشاح هو الذى تسبب فى هذه المشكلة ويقول: «الرشاح هو المكان الوحيد الذى يضم صرف القرية بأكملها وأحد المقاولين تسبب فى انسداده وهو ما تسبب فى طفح المجارى فى كل مكان بالقرية وبطبيعة الحال اختلطت مياه الصرف بالمياه الجوفية داخل القرية». وذكر ممدوح إدريس، أحد المواطنين، أن هناك شائعة بإصابة أربعة أفراد من أهالى القرية بالتيفود ولكن الأطباء بالمستشفى رفضوا تأكيد ذلك بأوراق رسمية حتى لا يتسبب الأمر فى الضجة نفسها التى حدثت بعد ظهور إصابات فى قرية البرادعة، ولفت إدريس إلى أن أهالى القرية كثيراً ما لجأوا إلى المسؤولين بشكاوى جماعية من خطورة انتشار مياه الصرف فى كل مكان إلا أن المسؤولين كانوا يهددون الأهالى بتحرير محاضر ضدهم بسبب صرفهم فى المصارف الزراعية وهو ما جعل الجميع يلتزم الصمت ويخشى اللجوء إلى أحد لإنقاذنا من خطورة الموقف.. مشكلة مياه الصرف الصحى تنتشر فى قرى كفر حمزة والمنايل وسندوه مما يدفع المواطنين إما لشراء مياه من عربات بيع المياه التى تمر بين الحين والآخر بالقرى الثلاث أو أن يشربوا من مياه الطلمبات الحبشية وهى من وجهة نظرهم أخف وطأة من مياه الحنفية التى تحمل الأمراض فى صورة شوائب على حد قولهم وكما تقول حنان سيد محمود، إحدى سكان قرية المنايل، «باشترى مياه للشرب الجركن بجنيه واحد من عربات بيع المياه أهى أرحم من مياه الحنفية المليئة بالشوائب». الوضع الذى باتت عليه القرى الثلاث يلخصه الدكتور أحمد سعيد، طبيب الوحدة الصحية بقرية سندوه، بأن أغلب الحالات تكون نزلات معوية، وذكر أنه لم يتم الاشتباه إلا فى حالتين فقط شك فى أن أعراضهما هى إصابة بالتيفود لكنهما كانا يمتثلان للشفاء بسرعة، وذكر سعيد أن مديرية الصحة أصدرت منشوراً بضرورة تطهير المياه التى تنتقل للأهالى عبر الحنفيات مرتين، يومى 8 و22 من كل شهر، وأكد سعيد أنه تلقى منشوراً من قبل من مديرية الصحة يؤكد إصابة أحد المواطنين بالتيفود ولكن الإصابة هذه تعود لأكثر من شهرين. المشكلة كما يراها ماهر القاضى، رئيس الوحدة المحلية بقرى المنايل وسندوه وكفر حمزة، تقتصر على ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالقرى فى ظل عدم وجود شبكات للصرف الصحى وهو ما يجعل اختلاطهما ببعضهما أمراً سهلاً، وأكد القاضى صدور قرار من محافظ القليوبية بمنع وجود الطلمبات الحبشية خاصة أن المياه التى يحصل عليها الأهالى منها لا تمر بأى مرحلة معالجة ولا توضع عليها مادة الكلور المطهرة وهو ما يتسبب فى وجود كثير من البكتيريا، وقال: «نحن نعمل لجاناً فى كل قرية لإغلاق هذه الطلمبات ونأخذ تعهداً على أصحابها بألا يعيدوا تشغيلها حتى لا يتعرضوا للمساءلة القانونية لأن «مياه الطلمبات دى.. خطر وممكن تسبب بلاوى» وعلى الرغم من القرار الذى أكده القاضى فإن القرى الثلاث تعتمد فى مياه الشرب على الطلمبات الحبشية متجاهلة ذلك القرار. وكشف القاضى عن تخصيص ثلاث قطع أراض، بقرار من رئيس الوزراء لعام 2009، داخل كل قرية من القرى الثلاث لإنشاء محطات رفع للصرف الصحى، ونفى أن تكون هناك أى إصابات بالقرى الثلاث بالتيفود.