لم يضحكنا فنان فى حياته ومماته مثلما أضحكنا إسماعيل ياسين فهو الضحاك الأول والأخير وشهبندر تجار السعادة فى السينما والمسرح فى مصر وفى الوطن العربى فى القرن العشرين، ملك ملوك الضحك والفكاهة، المتوج على عرش قلوب الكبار والأطفال حتى وقتنا هذا. إسماعيل ياسين (1912-1972) هو الفنان الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى تصدر اسمه عناوين أكثر من 17 فيلماً من بين 400 عمل سينمائى قام ببطولتها أو شارك فيها طوال مشواره الفنى الضخم، إضافة إلى 300 منولوج و61 مسرحية وتحمّل المغامرة رغم خطورتها لأن الجمهور كان يذهب لمشاهدة «سمعة» والاستمتاع به دون معرفة باقى أبطال أو نجوم الفيلم، فالكل لا يريد سوى «سماعين». أفلامه حققت أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما العربية حتى اليوم بالقياس إلى عدد سكان مصر وقتها وعدد دور العرض وثمن تذكرة دخول السينما، ولاتزال تلك الأفلام وبشكل خاص سلسلة «إسماعيل ياسين فى الجيش والطيران والبحرية وغيرها» هى المادة المفضلة للضحك لدى الكبار والصغار فى مصر والعالم العربى، وعنوان السعادة الحقيقية فإذا كان هناك من الرواد من ساهم فى صياغة تاريخ المسرح الكوميدى فى مصر فإن إسماعيل ياسين يأتى فى مقدمة هؤلاء الرواد مع تميزه عنهم بالاستمرار والتنوع فى أعماله على امتداد السنوات من 1935 حتى قرب رحيله عن الدنيا. لكن الضحكة المميزة له والفكاهة والكوميديا فى أفلامه كانت تتوارى خلفها مأساة فنان رسم البسمة على شفاه الناس بقفشاته وحركاته وأدائه التمثيلى التلقائى، وعاش حياة الفقر والعوز والحاجة واضطر فى أواخر أيامه إلى أن يعود لأداء المنولوجات فى أحد الكباريهات من أجل لقمة العيش والقوت اليومى. وأستطيع أن أقول إن مسلسل «إسماعيل ياسين .. أبوضحكة جنان» الرائع الذى قدمته عدد من الفضائيات فى رمضان الماضى يستحق كل تقدير وإشادة وتكريم لتقديمه سيرة فنان مبدع وعبقرى وأعاد لنا اكتشافه من جديد، فالعديد من الأجيال لم تعاصره ولم تشاهده إلا فى أفلام الأبيض والأسود ولم تقف على حقيقة ما جرى له إلا من خلال المسلسل الذى كتبه المؤلف أحمد أبوالسعود الإبيارى بالمشاركة مع ياسين إسماعيل ياسين قبل رحيله، وأخرجه المتميز محمد عبدالعزيز. وقدم الفنان أشرف عبدالباقى الذى أدى دور سمعة شهادة ميلاد واعتماد لفنان لديه من المقدرة والموهبة الفنية الكثير، إضافة إلى كوكبة النجوم صلاح عبدالله ورانيا فريد شوقى وأحمد بدير وسامى مغاورى وغسان مطر وطارق عبدالعزيز وهادى الجيار وميسرة و«بلدياتى» الفنان الجميل علاء مرسى - صديق إسماعيل ياسين فى المسلسل. كان من المفترض أن يقدم لنا المسلسل جرعة كوميديا من المستوى الرفيع لكننا فوجئنا بعمل فنى درامى رائع متخم بالدموع والحزن لفنان أسطورى تعرّض لتجاهل ونكران مخجل وقسوة من الأصحاب والأصدقاء فى أواخر أيامه حتى أجبر على بيع كل ما يملك وطاردته الضرائب وتراكمت عليه الديون فهاجر من الوطن إلى لبنان ثم عاد فقيراً يستجدى أمجاد الماضى وكانت ذروة المأساة عندما خصص له الرئيس السادات معاشاً استثنائياً 100 جنيه شهرياً. رغم كل ما قدمه إسماعيل ياسين للفن لم ينل التكريم الرسمى المستحق من الدولة ورغم كل ما قدمه لها فى الأحداث والمناسبات الوطنية وهو ما يشعرنا بالخجل والشعور بالذنب ويجعلنا نسأل حقيقة: لماذا لم يحصل فنان فى حجم إسماعيل ياسين على جائزة الدولة التقديرية أو التشجيعية فى الفنون فى الستينيات تقديراً لإبداعه؟! وهل لنا أن نطالب الآن بمنح هذا الفنان المبدع جائزة الدولة التقديرية للفنون بأثر رجعى؟