هى قريبة لى زارتنى أول أيام العيد ووجهها ينطق بكل ما للحزن من علامات رسمها خبر إحالة زوجها على المعاش (التقاعد).. كانت تحوم كطير مذبوح بين الموجودين حتى انصرف الجميع، وانفردت بى تبحث عن حل لتلك المعضلة التى لا أراها كذلك.. إلا أننى ومن باب الدعابة نصحتها بإحالته إلى لجنة تسنين تسبقه واسطة من طبيب.. وكادت أن تصدّق لولا تداركى السريع.. فتح لى هذا الموضوع بوابة الخيال المرسومة بالتساؤلات على مصراعيها ليكون أول سؤال تبادر إلى ذهنى هو: (لماذا لا يتقاعد الرؤساء والحكام كما يتقاعد المواطنون؟؟) خاصة أنّ سنّ التقاعد حددها المشرّع حسب القدرة الجسدية والذهنية وتضاؤلها مما لا يتوافق مع أداء العمل بنفس الجودة.. إذن! إذا كان الموظف العادى المسؤول عن جزء من ذرة مما هو مسؤول عنه الحاكم يحال إلى التقاعد خوفا من عدم جودة الأداء.. فكيف بمن هو ربّ لكيان دولة بأكملها.. لماذا لا يطبق ذلك فعلا.. بعيدا عن طعن انتخابات وتجديد وجدليات وتظاهرات ومعارضات ..ثم أليس من الأفضل مساواة الجميع طبقا لما نصت عليه الدساتير؟.. فتحدد للحاكم سنّ مناسبة للتقاعد كما حددت للوزراء والقضاة ورؤساء الجامعات.. فكرة.. مجرد فكرة اقتطفتها من شجرة خيالى العبقرى المتواضع إشفاقاً على بعض الحكام من النقد والجهد والمقابلات والسفريات الطويلة والمطبّات.. وتطبيق البروتوكولات الدولية التى يستفز بعضها الجمهور.. وأيضا ليتمتع بما يتمتع به متقاعدو الألفية الثالثة من رحلات (جوجلية) حول العالم والعصور.. والانتساب إلى المجموعات الحوارية العشوائية الفئات.. والعودة للشباب ولو وهما من خلال (الشاتات).. ومتعة الانتظار فى طابور تسلم الراتب وما يتخللها من روايات.. وممارسة الألعاب السويدية فى الأتوبيسات.. إلا إذا كان الحاكم من عتاولة السياسة والاقتصاد ممن تتهافت عليهم الجامعات والجمعيات الإنسانية طلبا لإلقاء محاضرة أو كتابة مذكرات أسوة بالكثير من الأسم اء.. مانديلا.. كلينتون.. كارتر.. جورباتشوف.. بلير الذى كانت مكافأته عن آخر محاضرة له فى (برشلونة) تتجاوز ال(150) ألف جنيه إسترلينى.. أو كرئيس البرلمان العراقى المتقاعد بعد عامين من العمل الشاق فى خدمة الوطن والذى استحق عليه راتبا يتجاوز (40000) أربعين ألف دولار شهرياً غير النثريات ومائتى شخص من أفراد حمايته تتكفل الدولة بدفع مخصصاتهم.. بينما راتب (بوش) لا يتجاوز ال(33) ألف دولار شهريا وكذلك الرئيس الفرنسى والألمانى.. بينما راتب رئيس (زامبيا) لا يتعدى ال(1340) دولارا وهو أقل من راتب أى فرد من حماية مولانا رئيس البرلمان العراقى الذى لا يتجاوز راتب أفضل موظف من شعبه ال(400) دولار بعد كفاح خمسة وعشرين عاما.. وتتوالى الأسئلة على رأسى: متى نرى حاكما عربيا محاضرا أمام العالم كله؟؟ متى يدعو الله أن يرحمه من هذه الأمانة التى أبت أن تحملها السماوات والأرض والجبال.. قبل أن يرحمه من الدنيا كلها؟؟؟ ثمّ سؤال إلى كل من يعد الأعوام رغبة فى التقاعد.. أقسمت بالله عليك.. هل تفكر أن تتقاعد لو كنت رئيساً؟؟ اللهم أُشهدك أنه كان خيالاً من خيالات شاعرة تلقائية تستحق.. ال؟؟؟.. ال؟؟؟... ال...تقاعد.!! إليك..... تعال نتبادل الأدوار.. كن أنت العاشق وأنا المعشوق.. أنت التابع وأنا المتبوع.. أنت الشاعر وأنا القصيدة.. أفرش لك عباءة الشوق.. أعقد شتاتك بضفائر الوجد.. أحيطك بتمائم الحفظ.. نحلّق على جناح الحلم.. نحطّ فى جزيرة النور.. نسرق اللحظات.. نلملم الذكريات المبعثرة على الشطآن المغتصبة.. ننهل كؤوس الروعة الممزوجة بالحبهان والزنجبيل.. تعال.. إلى حيث تتساقط أقنعتى قطرات ندىً على وجه الصمت.. لتتفجر موجات دفء تقتحم بوابات الشتاء.. تعال نمرح طفلين تحت المطر.. ننطلق فى بحيراته فى قارب بلورى تجدف لنا النسيمات.. تعال اجمع طلّ مساءات وصباحات الأعياد وزهور البيلسان فى باقة عشق أسطورىّ.. هدية عيد بين يدىّ.. تعال افرش بساط الوصل الزبرجدىّ تحت قدمىّ.. ألبسنى عقد الكبرياء.. توّجنى بإكليل الأنوثة الياقوتىّ.. تعال ننطلق فوق حواجز الخوف والحذر وعوالم الأشباح والغيلان.. تعال نقطف الاستثناءات واللاءات نطرز بها وشاح اللقاء.. تعال اهمس لى (كل عيد وأنت بخير سيدتى.. سيدة اليوم والغد).