يعتبر فن الخط العربى أكثر الفنون العربية أصالة على الإطلاق، لاعتماده مفردات الحضارة العربية والإسلامية بشكل فنى تتناغم فيه الزخرفة مع الإيقاع الداخلى للنص المكتوب مع المعنى فى تداخل يستوعب وحدة الكون ويتفاعل معها، هذا ما يؤكده الفنان ثروت البحر الذى يهتم بإحياء هذا الفن وحمايته من الاندثار، بعد أن طغت عليه وسائل التكنولوجيا الحديثة وأصبحت تهدده وتهدد محترفيه بالانقراض. يوظف ثروت البحر الخط العربى فى لوحاته التشكيلية بطريقة مميزة ومتفردة، وفقا لما يراه فى هذا النوع من الفن من جماليات خاصة يمكن أن تضيف إلى الفن التشكيلى، ولذلك خصص البحر جزءا من المعرض العام للفنون التشكيلية، الذى أقامته وزارة الثقافة وعمل «قومسيير» له، للخط العربى وتم عرض إبداعات الشباب والفنانين فى هذا المجال. بدأ اهتمام البحر بالخط العربى منذ سن صغيرة، ربما فى المدرسة الابتدائية، لأن معلمه للغة العربية كان يعنى بالخط العربى وتدريسه وهو ما انعكس على عشق التلميذ الصغير لذلك الفن، ومع هزيمة 67 وما تلاها من حيرة ورغبة ملحة فى الفهم، لف ثروت مدن مصر وتعرف وانتبه أكثر لفنونها الأصيلة التى لم يدرسها فى الكلية، ومن بين هذه الفنون كان بالتأكيد الخط العربى، ومن وقتها وهو يحاول الاستفادة من جماليات وفلسفة الخط العربى داخل أعماله التشكيلية عموما، حتى البعيدة تماما عن تقنيات هذا الفن، خاصة أن فن الخط يحتوى بحسب البحر على «القانون الذهبى» وهو قانون التناسق مع الكون، ويشرح ذلك مثلا من خلال حرف صغير كحرف الألف فى خط الثلث الذى تتطابق فيه النسب بين الهمزة والمد مع النسب بين رأس الإنسان وجسده، وبين النسبة الكونية عموما بين أجزاء الشىء الواحد التى هى واحد على سبعة، ثم تشاء الأقدار أن يصبح البحر فيما بعد نسيبًا لمحمد إبراهيم، عميد الخط العربى فى مدينة الإسكندرية وربما فى مصر كلها، فتوطدت علاقته أكثر بهذا الفن. وأكد أن حبه للخط العربى يأتى كنوع من الدفاع عن الثقافة العربية والهوية التى تتعرض للطمس تدريجيا أمام الغزو الثقافى المباشر والمستتر، وأيضا لأن فن الخط العربى هو فن جميل جدير بالمحبة والتقدير، دون البحث عن أسباب ومبررات مادية، كما أنه تقنياً قابل للتطور والاستمرارية وليس فنا جامدا كما يتصوره البعض، حتى إن بيكاسو قال عنه: «التجريد الحق، رأيته فى الخط العربى». منذ فترة، يعد البحر كتابا حول الخط العربى من المنتظر أن يصدر عن دار الشروق، حول تاريخ الخط العربى خلال الألف عام الماضية، ويقوم بالإعداد والتقديم للكتاب الذى ألفه فى الأصل عميد الخط العربى الراحل محمد إبراهيم، ولم تواته الظروف لنشره. ومن المتوقع أن يثير الكتاب بعد صدوره جدلا تاريخيا، حيث يرتكز على جماليات وتقنيات الخط العربى، فى طرح قضية تاريخية مهمة تتمثل فى مدى صحة النسخة المعروضة حاليا بمتاحف تركيا للرسالة الشهيرة التى بعث بها النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، للمقوقس حاكم مصر، مستندا إلى أن الخط الكوفى المكتوب به هذه الرسالة، ظهر فى عصور لاحقة على الفترة التاريخية لحكم المقوقس، ولم يكن معروفا وقتها، ومن ثم فهى نسخة مقلدة وزائفة. وثروت البحر من التشكيليين القلائل المهتمين بالخط العربى، ويعتبره فنا خالصا ونقيا ولا يقل فى أهميته أو مكانته عن أى لون تشكيلى آخر، بل إنه ينظر اليه باعتباره «منتهى الفن»، لأن الفن فى قاموسه هو النظام، لا الفوضى، وقد انطلق من ذلك التصور فى تخصيص جناح له بالمعرض العام، حتى يقربه من الجماهير ومتذوقى الفنون الجميلة، وأيضا لكى يرد إليه الاعتبار ويعيد اكتشافه كقيمة جمالية وليس كأداة حياتية. وأعرب عن تخوفه من أن يصبح الخط العربى فنا للخاصة فقط، بسبب النظرة الجماهيرية الدونية له، وبسبب إهمال الفنانين أو القائمين على النشاط الفنى فى مصر له، ويأس الخطاطين أنفسهم بعد طغيان الكمبيوتر على هذا المجال، وانتشار الكتابة الآلية محل اليدوية، مؤكدا أنه لابد من العودة لتقديره كما كان يحدث قديما، عندما أنشئت له المدارس المختلفة، الحكومية والأهلية، التى كانت قبلة نجوم المجتمع ومعامل لتفريخ الثورات والحركات الشعبية، وضرب المثل بمدرسة الإسكندرية، التى أسسها محمد إبراهيم نفسه فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكيف أنها احتضنت الزعيم الجزائرى «بورقيبة» أثناء نشاطاته السياسية لتحرير الجزائر، وكان يجتمع فيها كل من أم كلثوم وعبدالوهاب وزكريا أحمد، وهو ما يدل على أن الخط العربى كان فنا تفاعليا فى ذلك الزمن، نهض نتيجة ظروف سياسية واجتماعية فى الثلاثينيات وحتى الستينيات، وكان أداة للمشاركة والفعل أيضا خلال الفترة نفسها.