رث جوردون براون الحكومة عن سابقه تونى بلير - الذى أضاف «الجديد» إلى اسم الحزب عندما كان العمال فى المعارضة فى منتصف التسعينيات - بعد تزويقات ماكياج بارع لإخفاء «قوبات ودمامل» الاشتراكية من وجه الحزب. فالاشتراكية كلمة عيب عند الطبقات الوسطى الأكثر إنتاجا وعملاً، وترهقها الضرائب التى يعيش عليها العاطلون والكسالى، تطبيقا لاشتراكية العمال كى يصوت الأرزقية للحزب قديماً أو جديدا. حكومة «العمال الجديد» فقدت مصداقيتها، اليوم، لدى صناع الرأى العام فى الصحافة، وشعبيتها لدى المواطنين، ولو أجريت الانتخابات لفقد ثلثا الوزراء مقاعدهم البرلمانية، حسب آخر استطلاعات الرأى. الحكومة البراونية العمالية الجديدة القديمة أوقعت نفسها فى «حيص بيص» فى محاولتها إخفاء صفقة الإفراج عن ضابط المخابرات الليبية عبدالباسط المقراحى (بتهمة تفجير طائرة ركاب فوق أسكتلندا) وباقى من المدة 19 عاما، «رحمة به» لإصابته بسرطان، توقع الأطباء أن يكون دعوة لاستضافته عزرائيل قريبا. ورغم أن القصة الصحفية السياسية، تقليديا، لا يزيد عمرها على ستة أيام، فإن السلطة الرابعة لاتزال ناشبة أسنانها فى الحكومة لثلاثة أسابيع وحتى بعد انتهاء احتفالات الكولونيل معمر القذافى بالذكرى الأربعين لانقلابه العسكرى (وكان عناقه للمقراحى أهم فقرات كرنفال «الفاتح» الاسم الحالى لانقلاب القذافى). الحكومة حولت نفسها إلى فرجة ببلاش، لمحاولتها لعب الاستغماية فى شارع الصحافة بوضع براون يده، مغطيا عينه اليمنى (فقد البصر فى العين اليسرى أثناء مباراة رجبى فى شبابه) حتى لا يراه أحد. ولما تساءل الصحفيون عما إذا كان الإفراج عن المقراحى صفقة مع ليبيا، صمت براون أسبوعا ثم قال: «مالناش دعوة اسألوا وزير العدل فى حكومة أسكتلندا»، لأن نظامها القضائى مستقل فى إطار الحكم الذاتى، وضحك فى سره، معتقدا أنه «لبّس التهمة» لخصومه فى حكومة الحزب القومى الأسكتلندى، والمستفيد حزب العمال الجديد فرع أسكتلندا. اغتاظ الصحفيون من محاولة استغفالهم فبدأوا التنقيب عن البترول فى الحكاية (راجع «المصرى اليوم» عدد 28/8/2009) ونصبوا الكمائن لوزراء يفترض أنهم يعزفون من النوتة الموسيقية التى تقرأها العين اليمنى للمايسترو براون. وزير العدل جاك سترو – كان وزيرا للخارجية عند «توبة» القذافى بتسليمه أسرار برنامجه النووى ليلة القبض على صدام حسين- اعترف بأن المقراحى كان ضمن هذه المفاوضات عندما حاصرته ال«ديلى تلغراف». وهو ما أكده وزير البيزنس والاستثمارات، اللورد بيتر ماندلسون (مهندس استراتيجية ماكياج إخفاء الاشتراكية من وجه العمال الجديد)، لكن الصحافة كشفت لقاءاته، أثناء إجازته فى اليونان، مع سيف الإسلام القذافى، رغم أن « اسم النبى حارسه» لا منصب رسميا له يخول له التفاوض باسم الشعب الليبى سوى أنه ابن الزعيم. وزير الخارجية دافيد ميلليباند كرر القول المأثور «مالناش دعوة يا عم دول الاسكتلنديين» فزنقه مذيع ال«بى. بى. سى» وأسمعه تسجيل مساعد الوزير لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط قائلاً: «من باب الشفقة أن نترك المقراحى يموت وسط عائلته»، فرد ميلليباند: «لم يرد أحد فى الحكومة موت المقراحى فى السجن». لكن شقيقه الأصغر، إدوارد ميلليباند، وزير التعليم الأولى، ناقضه فى اليوم التالى قائلاً: «لم يرد أحد فى الحكومة خروجه من السجن». ثلاثة مواقف مختلفة تثبت تخبط حكومة، كان يجب أن تصارح الشعب فى البداية بأن حكومات العالم دائما ما تضطر لإبرام صفقات مع عدو أو إرهابى سابق من أجل المصلحة العامة. لكن ذعر رئيس الحكومة من فقدانه ثقة الشعب، دفعه لمحاولة الضحك على هذا الشعب، فجرّ نفسه لمعركة لاتزال مستمرة مع السلطة الرابعة، يعرف مقدما أنه سيخسرها.