على باب غرفة قديمة بحى الحسين جلس الأب مرتديا سبحة «كوك» حول رقبته يتابع صغيره إسلام ذا الأحد عشر عاما وهو منكفئ على «المخرطة البلدى» ليبرد حبات الخرز.. يتابعه ببقايا ضوء بسيط أبى أن يفارق عينيه اللتين خاصمهما البصر بعد 51 عاما قضاها فى صناعة السبح. وكأنما عمره سبحة بعض حباتها سنوات نعيم ورغد والآخر ضيق عيش وبقايا بصر.. لتبقى المخرطة والقشاط والأزميل لعم حسنى العجوز «كل حياته». يبدأ حديثه بالكلام عن البداية قائلا: مهنتى الأساسية كانت صناعة المشربيات والأرابيسك وتركتها بعد اختلاف الذوق ودخول الآلات إلى الصنعة.. فتحولت لصناعة السبح منذ عام 1958 وتعلمت «خرط السبح» بالمخرطة البلدى، التى تعتمد بشكل كلى على جسم الإنسان، الذى يعد «الموتور» الخاص بها، فتمرست فى الإمساك بالقوس والجلوس على المخرطة لقطع الخامات إلى خرز ثم تلميعه، وهى أمور مازالت محفورة فى ذاكرتى رغم ضياع البصر. كنا قديما نصنع السبح من الكهرمان والخشب الطبيعى كالعود والأبانوس والصندل .. ولم نلحق بفترة تصنيعها من المواد التى كان يستعملها «أسطاواتنا» مثل «العنبرويت والفيبر والأرجوليت»، التى كانت تأتى من ألمانيا ومنع استيرادها منذ 1945، حيث هدمت مصانعها فى الحرب، فلجأوا للدوم والخشب. يترحم حسنى على الماضى قائلا: زمان كانت الحالة «فل» وسوقنا رائج أما الآن فالحال تدهور، ضعف نظرى من المخرطة وبحكم السن أصبح جسدى غير قادر على التعامل معها، وهو ما دفعنى للاستعانة بابنى.. وعموما المهنة إلى زوال والبركة فى الصين.. فبعدما صنعت السبح قامت بصنع «ماكينات الخرط الآلية» ونشرتها بين العاملين الجدد الذين يستسهلون.. حيث تنتج ألف خرزة فى اليوم عكس البلدى التى تحتاج مشقة ولا تنتج كثيرا، إضافة لذلك فإن الصين تصدر السبح بالكيلو للسعودية فى موسم الحج، فخسرنا هذا الموسم الذى كان مع رمضان «باب فرج علينا» وكنا ملوك الصنعة حتى 1985، لدرجة أننا كنا نرفض العمل فى السعودية لأن ما سنجنيه هناك فى عام كنا نحصله هنا فى شهرين، لأن السبحة كانت المكمل للبدلة والجلابية وكان الإيمان قوياً. ويتحسر على الصنعة بقوله «الصنعة خلاص راحت والجيل الجديد ملهوش فيها» وأصبحت الخامات رديئة، فبعد اليسر والمرجان والكهرمان والعاج وصلنا لصنع السبح من «البوليستر والبيرسبكس والإكليرك».. والأدهى من ذلك الغش، وده بحره واسع لدرجة قيام البعض بعمل خلطة صابون صلبة وتقطيعها على شكل سبح وبيعها على أنها «كهرمان».. وعجن الخشب الردئ وإضافة الروائح له وبيعه على أنه أصلى.. «وبعد ده كله بندور ع الصنعة، الله يرحمها ويرحم أسطاواتها».