من هو مدير مهرجان فينسيا السينمائى الدولى الذى اختار هذا العام ثلاثة أفلام مصرية للعرض فى المهرجان، وجعله عام السينما المصرية؟ حيث لم يسبق اختيار ثلاثة أفلام فى دورة واحدة من دورات أى من المهرجانات الكبرى الثلاثة السنوية لفن السينما (كان وبرلين وفينسيا) فى المسابقة «المسافر» إخراج أحمد ماهر، وخارج المسابقة «احكى يا شهرزاد» إخراج يسرى نصر الله، وفى برنامج آفاق «واحد صفر» إخراج كاملة أبوذكرى. القوتان العظميان فى السينما أمريكا وأوروبا يعرض منهما أكبر عدد من الأفلام فى أى دورة من دورات المهرجانات الثلاثة، ومنذ عقدين أصبحت آسيا هى القوة الثالثة، ومنذ عقد سينما أمريكا اللاتينية، ولكن ظلت السينما العربية وسينما أفريقيا السوداء على الهامش، وفى القلب منها السينما المصرية، رغم أنها العاشرة على مستوى العالم، من حيث كمية الأفلام التى أنتجتها فى القرن الأول من تاريخ السينما، ومن حيث جمهورها الواسع الذى يشمل نحو نصف مليار إنسان ينطقون العربية فى الدنيا، ولوجود السينما المصرية على الهامش منذ نحو 50 سنة، أسبابه التى لا مجال لذكرها فى هذا المقام، ومن هنا يعتبر اختيار ثلاثة أفلام فى فينسيا حدثاً كبيراً يجعل من دورة فينسيا 2009 عام السينما المصرية فى المهرجان الأعرق بين المهرجانات الثلاثة. وراء هذا الحدث مدير المهرجان ماركو موللر، الذى تولى هذا المنصب المرموق عام 2004، وهو سينمائى ينطبق عليه المصطلح الفرنسى «رجل السينما»، ولو أنه مصطلح ذكورى، أى الإنسان الذى يعيش من أجل السينما، ويمارس كل المهن السينمائية، إلى جانب النقد والبحث وتدريس الفن السينمائى وتاريخ هذا الفن، ومن ناحية أخرى هو مستشرق بالمعنى الحضارى لهذه الكلمة، وليس بالمعنى الذى ارتبط بالاحتلال والغزو، منذ أن جاء العلماء مع بونابرت فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، إنه مستشرق بنفس المعنى الذى يمكن أن نصف به طه حسين مثلاً بأنه مستغرب، وهو معنى عظيم ونبيل، أى تقديم معارف الشرق إلى الغرب، ومعارف الغرب إلى الشرق، تحقيقاً لقول الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». ولد ماركو موللر فى السابع من يونيو عام 1953، فى روما من أب إيطالى سويسرى وأم إيطالية يونانية برازيلية، فهو فى نسبه يجمع بين الحضارة اليونانية القديمة والحضارة الإيطالية الحديثة منذ عصر النهضة، وسويسرا التى تجمع كل ثقافات أوروبا، والبرازيل أكبر بلدان العالم الجديد فى جنوب أمريكا. ولذلك لم يكن من الغريب أن يدرس الحضارات الشرقية القديمة، ويحصل على درجة الدكتوراه عام 1977 متخصصاً فى الصين التى يتقن لغتها، وجمع بذلك بين الشرق والغرب بامتياز، وكان اختياره للسينما عام 1980 مكسباً كبيراً لفن القرن العشرين، حيث بدأ ناقداً ومؤرخاً ومدرساً وممثلاً ومخرجاً للأفلام التسجيلية عن السينما، ثم منتجاً من 1998. من بيسارو إلى فينسيا إن بعضاً من أهم أفلام العالم فى الفترة من 1998 من إنتاج ماركو موللر مثل «مولوخ» للروسى سوكوروف 1999، و«السبورة السوداء» للإيرانية سميرة ماخمالباف 2000، و«بين الحدود» للبوسنى دانيس تانوفيك 2001، الذى فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبى 2002. أما عن علاقته بمهرجانات السينما، فقد بدأت عام 1978، أى بعد سنة واحدة من إتمام دراسته وحصوله على الدكتوراه، بأن قدم فى تورينو أشمل برنامج أقيم فى أوروبا عن تاريخ السينما فى الصين (135 فيلماً). ثم تولى إدارة مهرجان بيسارو للسينما الجديدة من 1986 إلى 1989، ومهرجان نوتردام فى هولندا من 1989 إلى 1991، ومهرجان لوكارنو فى سويسرا من 1991 إلى 2000، حيث تعرفت عليه فى دورة 1996 التى قدم فيها كل أفلام يوسف شاهين (1926 - 2008) بمناسبة عيد ميلاده السبعين، كما قدم فى إحدى الدورات بعد ذلك برنامجاً عن الأفلام السوفيتية التى كانت ممنوعة من العرض قبل انهيار الاتحاد السوفيتى فى روسيا، ومختلف الجمهوريات السوفيتية. وعندما تولى موللر مهرجان فينسيا عام 2004 اختار يسرى نصر الله فى لجنة تحكيم برنامج «آفاق»، وفى عام 2007 أتاح ليوسف شاهين أن يعيش آخر أجمل اللحظات فى عمره عندما اختار فيلمه الأخير «هى فوضى» الذى أخرجه مع خالد يوسف للعرض فى مسابقة المهرجان ذلك العام. وها هو فى عام 2009 يختار الفيلم الطويل الأول لأحمد ماهر فى المسابقة ليقدم للعالم مخرجاً مصرياً جديداً، ويختار فيلم يسرى نصر الله الجديد ليؤكد مكانته فى السينما المصرية والعالمية ويعرضه خارج المسابقة، ويختار فى «آفاق» أول مخرجة مصرية يعرض لها فيلم فى أحد المهرجانات الكبرى الثلاثة.