دخل أبى وأمى إلى غرفتى وفتشا ملابسى، وحدثت مواجهة ماأزال أرتعد لذكراها بعد مضى 46 سنة ظللت حتى الخامسة عشرة من عمرى متبتلا بلا أى علاقة مباشرة مع الفتيات، ولم تكن توجد مجلات جنسية أو أفلام فيديو إباحية متوافرة علناً بالنسبة لى، ثم إن المدارس التى ارتدتها فى مصر والولايات المتحدة إلى حين بلوغى السابعة عشرة والنصف كانت تراقب كل شىء وتنزع عنه كل صفة جنسية، وينطبق الأمر نفسه على جامعة برينستون حيث درست إلى حين بلوغى الحادية والعشرين. وكان الجنس ممنوعاً بالنسبة لى فى كل مكان بما فى ذلك الكتب، وذات ليلة وقع تحت يدى كتاب يتضمن وصفاً تفصيلياً لعلاقة حميمة فى مذكرات «ويلفرد ده سانت ماندى»، وهكذا صار ويلفرد واحداً من رفقاء مراهقتى الصامتين السريين، لكن أهلى كانوا قد أبعدونى عن كل ما من شأنه إثارة الغريزة الجنسية لدى، لكن حاجتى العارمة إلى المعرفة والاختبار هى التى خرقت قيود الأهل، إلى أن حدثت مواجهة علنية ماأزال ارتعد لذكراها بعد مضى ست وأربعين سنة عليها.. دخل أبى وأمى إلى غرفتى بعد ظهر يوم أحد قارس البرد فى أواخر نوفمبر عام 1949، وفتش أبى بدقة فى ملابسى وقال لى: أنا وأمك لاحظنا أنك لم «تحتلم» منذ فترة، وهذا يعنى أنك تعبث بجسدك، كان الوالدان قد حدثانى كثيراً من قبل عن مخاطر العبث بالجسد من دون ألفاظ مباشرة، حتى إن أبى كان يتجنب أثناء حديثه معى أى كلمة تقترب من ممارسة الحب، حتى عندما طرحت عليه سؤالاً عن كيفية ولادة الأطفال، فكان الجواب أقرب إلى ترسيمة دينية جاهزة، حيث كانت الإجابة كل مرة هى «كتبنا رسالة إلى يسوع فبعث إلينا بطفل»، وهكذا كان حمل أمى المتكرر خصوصاً انتفاخ بطنها يشعرنى دوماً أنها فى حالة خطرة، لأن كلمات أبى لم تسهم أبداً فى أى إجابة واضحة سؤالى عن مظاهر الحمل والولادة، وبعد أن كبرت أكثر قال لى أبى كلمات شحيحة وناقصة عن الحمل من خلال وضع الرجل «أعضاءه الحميمة»، فى «الأعضاء الحميمة» الخاصة بالمرأة، وذلك بعد تحذيره الصارم من العبث بالجسد، ولم يحدثنى عن النشوة أو القذف، أو حتى عن موقع تلك الأعضاء الحميمة من الجسم. وسألت أبى ذات مرة: كيف يعلم المرء أنه قد احتلم، فقال له بسرعة: إذا حدث فستعرف ذلك بنفسك فى الصباح، عاد إدوارد ليسأله وهل هو مثل «البيبى» فرد الأب للمرة الثانية نعم إنه يشبه البول إلى حد ما لكنه لزج أكثر من البول ويعلق على منامتك (أى بيجامتك). (من مذكرات المفكر العربى الكبير إدوارد سعيد المعنونة «خارج المكان»، وهو فلسطينى تربى فى القاهرة وهاجر إلى أمريكا وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية والأدب المقارن فى جامعة كولومبيا بنيويورك). إدوارد سعيد