بضدها تُعرف الأشياء، وأنت لا تعرف الديمقراطية الأمريكية إلا من خلال منافسة شرسة بين حزبين رئيسيين، ولو اختفى حزب لاختفى الآخر، ولتدهورت الديمقراطية الأمريكية وفقدت أهميتها. أما ما قاله أحد وزراء مصر عن أن أى حزب ناجح لا يريد أحزابا أخرى ناجحة فهو كلام منقوص أو غير سياسى، على وجه الدقة. الوزير القادم من عالم المقاولات والبيزنس، اعتبر هيمنة الحزب الوطنى على جميع مناحى الحياة، هى حق مشروع وأمر عادى لحزب يعمل على إقصاء المنافسين وتهميشهم. صحيح المنافسة الحزبية تقتضى محاولة إضعاف الأحزاب الأخرى، لكن هذا يحدث عندما تتوافر شروط «المنافسة»، فمن غير المنطقى أن نتحدث عن «مصارعة» بين أسد وفأر بصيغة «المنافسة الشريفة». لا يختلف الحزب الوطنى كثيرا عن حزب البعث، الذى يعمل فى الساحة السياسية وحيدا، فى حين يعمل الوطنى مع كومبارس. البعث يضم وجوهًا متنوعة من علماء وباحثين ونخب، تود الخروج من الدوائر المعتمة، إلى ضوء المناصب، والوطنى يباهى بأعضاء أمانة السياسات. رجال البعث وحدهم يحتلون المواقع المهمة، ورجال الوطنى يحتلون كل المناصب. البعث يتحدث عن إنجازات غير مسبوقة، والوطنى يجرى استفتاءات تؤكد عظمته وعظمة حكومته. تخيلوا أن 79% من المواطنين صوتوا لصالح توافر مياه الشرب النقية، و83% لصالح توافر المدارس، و77% لصالح توافر الخدمات الصحية. والله لو أعلنت نتائج هذا الاستطلاع فى سويسرا بهذه الكيفية، لتشكك أهل سويسرا فيها. وإذا صحت هذه النتائج، فكل ما يقوله الجهاز المركزى للمحاسبات، وكل ما تنشره الصحف وتبثه الفضائيات هو افتراء. استفتاء الحزب الوطنى باطل لأسباب متعددة: أولها أن عدد الباحثين كان 80 فردا توزعوا على كل محافظات مصر، وهذا عدد لا يمكنه إنجاز مهمة بضخامة نتائج الاستطلاع، ثم يأتى تناقض النتائج التى جرت على عينة 57% منها لا يعرفون أى شىء عن الأزمة المالية العالمية، فمثلا يثق الناس فى مجلس الشعب بينما لا يتابعون جلساته، ويشيدون بالحكومة فى العموم وينتقدونها فى مشكلة مثل البطالة، فضلا عن أن أى استطلاع يقوم به الحزب الوطنى أو الحكومة هو استطلاع غير محايد بالضرورة، فلو كان الحزب جادا فى عمل استطلاعات، لأوكل المهمة لجهات محايدة، ولو كانت الحكومة مهتمة، لتركت هذه المهمة لكلية الاقتصاد مثلا. الحزب الوطنى لا يريد منافسين، لأنه لا يقدر على المجابهة، وفى سبيل ذلك هو على استعداد لارتكاب سلسلة من الحماقات والخطايا، ليبقى متسيدا وحاكما.. فعن طريق الأجهزة الأمنية تمزقت أحزاب المعارضة وبات قادتها مرتهنين بهذه الأجهزة.. إن رضيت عنهم بقوا فى مواقعهم. ومن يخرج منهم عن حدود دوره يجد نفسه مباعا من رجاله، وفى وجهه يُشهر سيف لجنة الأحزاب، الباطلة سياسيا، لأن على رأسها أمين عام الحزب الحاكم صاحب المصلحة فى شل الأحزاب، ولا يتوقف الحزب الحاكم عند هذا الحد بل يفرض النظام الانتخابى الذى يراه مناسبا له، ويضع القوانين التى تكفل له وحده البقاء. الآن، حدد الوطنى دور الأحزاب فى الانتخابات التشريعية المقبلة، وحدد مقاعد الأحزاب وفقا لدور كل حزب، بعد أن يخرج الإخوان بضربة التزوير القاضية.